تعد استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية المحور الأساسي الذي يشغل القادة العسكريين في الغرب حاليًا؛ إذ كشف جوزيبي كافو دراغوني رئيس اللجنة العسكرية للحلف عن مباحثات مكثفة تهدف لتغيير قواعد الاشتباك التقليدية والانتقال من مرحلة الدفاع ورد الفعل إلى استراتيجيات أكثر شمولية، وتأتي هذه التحركات في ظل تصاعد التوترات الأمنية والمخاوف من استغلال موسكو للفراغات الأمنية في البنية التحتية الأوروبية، وهو ما يستدعي مراجعة شاملة لآليات الردع المتبعة لضمان أمن الدول الأعضاء.
التحول نحو الهجوم في استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية
يدرس التحالف العسكري الغربي بجدية بالغة إعادة صياغة استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية لتصبح أكثر قوة وتأثيرًا في مواجهة التهديدات المتزايدة؛ حيث أوضح دراغوني لصحيفة فاينانشال تايمز أن القادة العسكريين يميلون حاليًا لمغادرة مربع رد الفعل التقليدي، خاصة في مجالات حساسة مثل الأمن السيبراني الذي ظل التعامل معه دفاعيًا لفترة طويلة، وأشار إلى وجود تفكير جدي في اتخاذ إجراءات توصف بأنها أكثر عدوانية أو استباقية لضمان عدم تكرار الاختراقات، وعلى الرغم من أن فكرة الضربة الاستباقية قد تبدو للوهلة الأولى تصعيدًا خطيرًا؛ إلا أن المسؤول العسكري الرفيع أكد إمكانية اعتبارها إجراءً دفاعيًا مشروعًا في سياق حماية المصالح الحيوية للحلف، ورغم اعترافه بأن هذا النهج يبتعد كثيرًا عن طريقة التفكير والسلوك المعتاد للناتو؛ إلا أن الواقع الميداني قد يفرض تغييرات جوهرية في العقيدة العسكرية.
تتطلب عملية تحديث استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية النظر في تعقيدات قانونية وتشريعية متعددة قبل اعتماد أي خطوات هجومية؛ فالمسألة لا تتعلق فقط بالقدرة العسكرية بل تمتد لتشمل الأطر القانونية والقضائية التي تحدد من يملك صلاحية تنفيذ هذه العمليات، وقد طرح دراغوني تساؤلاً جوهريًا حول الجهة المخولة بالقيام بذلك في ظل القوانين الدولية الحالية، ومع ذلك يظل خيار أن يكون الحلف أكثر عدوانية مقارنة بعدوانية الطرف المقابل مطروحًا على الطاولة كأحد الحلول الممكنة لردع الخصوم، وهذا يعكس عمق النقاش الداخلي حول ضرورة التكيف مع طبيعة الحروب الحديثة التي لم تعد تعتمد على المواجهات المباشرة فحسب، بل تتجاوزها إلى عمليات معقدة تتطلب سرعة في القرار ومرونة في التنفيذ.
دور مهمة رصد البلطيق في تعزيز استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية
أثبتت الوقائع الميدانية الأخيرة أن تعزيز استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية عبر التواجد العسكري المكثف يحقق نتائج ملموسة على الأرض؛ فقد تعرضت القارة الأوروبية لسلسلة من الحوادث المقلقة التي تراوحت بين الهجمات الإلكترونية واسعة النطاق وعمليات التخريب المادي، ومن أبرزها حوادث قطع الكابلات البحرية في مياه بحر البلطيق التي نُسب بعضها لروسيا بينما ظل البعض الآخر غامضًا، ولمواجهة هذا التحدي أطلق الحلف مهمة “رصد البلطيق” التي اعتمدت على تسيير دوريات مكثفة باستخدام السفن الحربية والطائرات المأهولة والمسيرات البحرية المتطورة، وقد نجحت هذه الاستراتيجية في وقف تكرار حوادث التخريب التي شهدها عاما 2023 و2024، والتي كانت تنفذ بواسطة سفن مرتبطة بأسطول الظل الروسي المصمم خصيصًا للتحايل على العقوبات الغربية الصارمة، ويمكن تلخيص أبرز التهديدات التي نجحت المهمة في تحجيمها فيما يلي:
- محاولات تخريب كابلات الاتصالات البحرية الحيوية التي تربط بين الدول الأوروبية
- تحركات سفن أسطول الظل الروسي المشبوهة التي تعمل خارج نطاق الرقابة التقليدية
- الهجمات السيبرانية المنسقة التي تستهدف البنية التحتية الرقمية للدول الأعضاء
أكدت النتائج الإيجابية لمهمة المراقبة أن استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية تكون أكثر فاعلية عندما تقترن بإجراءات وقائية ملموسة؛ حيث صرح دراغوني بأنه منذ انطلاق مهمة رصد البلطيق لم يتم تسجيل أي حوادث تخريبية جديدة، مما يعد دليلاً قاطعًا على أن الردع يعمل بنجاح عندما يشعر الطرف الآخر بوجود رقابة صارمة، وهذا النجاح يدفع الحلف للتفكير في توسيع نموذج هذه المهمة ليشمل مناطق أخرى مهددة، فالقدرة على كشف التحركات المعادية قبل وقوعها تحرم الخصم من عنصر المفاجأة وتقلل من هامش المناورة المتاح له، وهو ما يعزز الأمن البحري والسيبراني للقارة بأكملها ويؤكد أهمية الاستمرار في هذا النهج اليقظ.
التحديات الأخلاقية ومستقبل استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية
يواجه تطوير استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية عقبات هيكلية تتعلق بطبيعة القيم التي يتبناها الحلف مقارنة بخصومه؛ حيث حذر دبلوماسي من دول البلطيق من خطورة الاكتفاء برد الفعل فقط، مشيرًا إلى أن هذا السلوك يدعو روسيا للاستمرار في محاولات إيذاء الغرب بتكلفة منخفضة لها مقابل أضرار كبيرة للحلفاء، فالحرب الهجينة بطبيعتها غير متناظرة وتعتمد على استغلال نقاط ضعف الخصم دون تكبد خسائر عسكرية مباشرة، ولهذا تبرز الحاجة الملحة لأن يكون الحلف أكثر ابتكارًا في أدواته ووسائله، وقد اعترف دراغوني بصعوبة الموقف نظرًا لأن الناتو وأعضاءه مقيدون بحدود أخلاقية وقانونية صارمة لا يلتزم بها الطرف المقابل، مما يضع الحلف في موقع أصعب وإن لم يكن خاسرًا، والجدول التالي يوضح الفروقات الجوهرية في المحددات التي تحكم طرفي الصراع:
| قيود حلف الناتو | ميزات الطرف المقابل (روسيا) |
|---|---|
| الالتزام الكامل بالقوانين الدولية والأطر الأخلاقية | حرية الحركة وتجاهل الاعتبارات القانونية والأخلاقية |
| تعقيدات الولاية القضائية وبطء اتخاذ القرار الجماعي | القدرة على شن هجمات هجينة بتكلفة مادية وسياسية منخفضة |
يبقى الاختبار الحاسم لنجاح استجابة الناتو للحرب الهجينة الروسية في المستقبل مرهونًا بالقدرة على ردع العدوان قبل حدوثه؛ إذ يرى رئيس اللجنة العسكرية أن تحقيق الردع الفعال يتطلب تحليلًا عميقًا لخيارات الانتقام والضربات الاستباقية، خاصة مع وجود احتمالات قوية لزيادة الضغط الروسي في السنوات القادمة، وهذا يفرض على الحلفاء الموازنة الدقيقة بين الالتزام بمبادئهم وبين ضرورة حماية أمنهم القومي بأساليب غير تقليدية تواكب تطور التهديدات.
