مكالمة ترامب ومادورو التي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والدبلوماسية تم تأكيد حدوثها بشكل رسمي ومباشر من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء يوم الأحد الماضي وذلك أثناء رحلة عودته على متن الطائرة الرئاسية إلى العاصمة واشنطن قادمًا من ولاية فلوريدا المشمسة بعد أن قضى هناك عطلة عيد الشكر؛ حيث أقر ترامب بوجود تواصل حديث جرى بينه وبين الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لكنه اختار الاحتفاظ بتفاصيل هذا الحوار لنفسه رافضًا الخوض في المضامين أو النتائج التي تمخضت عنها هذه المحادثة الهامة التي كانت صحيفة نيويورك تايمز العريقة هي السباقة في كشف النقاب عنها للرأي العام العالمي لأول مرة قبل التصريح الرئاسي.
الغموض المحيط بتفاصيل مكالمة ترامب ومادورو
واجه الرئيس الأمريكي سيلًا من الأسئلة الصحفية فور تأكيده الخبر وهو على متن الطائرة الرئاسية التي كانت تحلق به عائدة إلى البيت الأبيض، وحاول الصحفيون المتواجدون معه استخلاص أي معلومة حول طبيعة مكالمة ترامب ومادورو وما إذا كانت قد حملت طابعًا إيجابيًا يمهد لتهدئة الأوضاع أو سلبيًا ينذر بتصعيد جديد؛ إلا أن ترامب تمسك بموقفه المتحفظ وأجاب بعبارة مقتضبة تحمل الكثير من التأويلات عندما قال للصحفيين “لن أقول إنها سارت بشكل جيد أو سيئ” تاركًا الباب مفتوحًا أمام التكهنات والتحليلات السياسية المختلفة حول مستقبل العلاقات بين البلدين في ضوء هذا التواصل المباشر والنادر، ويأتي هذا التصريح المقتضب ليزيد من حالة الضبابية التي تلف المشهد السياسي خاصة وأن صحيفة نيويورك تايمز كانت قد ألمحت إلى وجود هذا الاتصال دون أن تتمكن من نشر فحواه الكامل مما جعل تصريح ترامب بمثابة تأكيد للحدث مع إخفاء متعمد للتفاصيل الجوهرية التي قد تكون حساسة للغاية في هذا التوقيت بالذات.
دعوة إغلاق المجال الجوي بالتزامن مع مكالمة ترامب ومادورو
لم تكن مكالمة ترامب ومادورو هي الحدث الوحيد الذي لفت الأنظار نحو الملف الفنزويلي في عطلة نهاية الأسبوع، فقد سبق تصريحات الأحد إعلان مفاجئ وحاد من قبل ترامب يوم السبت دعا فيه بشكل صريح إلى التعامل مع المجال الجوي فوق فنزويلا باعتباره منطقة “مغلقة” تمامًا؛ حيث لجأ الرئيس الأمريكي إلى منصته المفضلة للتواصل الاجتماعي “تروث سوشال” ليوجه رسالة تحذيرية شديدة اللهجة وشاملة لعدة أطراف دولية ومحلية طالبًا منهم الالتزام الفوري بهذا الإغلاق الجوي فوق الأراضي الفنزويلية والمناطق المحيطة بها بشكل كامل، وقد صاغ ترامب منشوره بأسلوب مباشر ومحدد موجهًا حديثه إلى فئات بعينها يعتقد أنها تستغل هذه الأجواء لأنشطة قد تضر بالمصالح الأمريكية أو الأمن الإقليمي، وشملت القائمة التحذيرية التي ذكرها الرئيس في تدوينته الفئات التالية:
- جميع شركات الطيران التجارية والخاصة العاملة في المنطقة.
- الطيارون الأفراد الذين يحلقون فوق أو بالقرب من المجال الجوي الفنزويلي.
- تجار المخدرات الذين يستغلون الممرات الجوية لنقل الممنوعات.
- المتاجرون بالبشر وشبكات التهريب غير الشرعية النشطة في المحيط.
واختتم ترامب رسالته التحذيرية تلك التي تزامنت زمنيًا مع الكشف عن مكالمة ترامب ومادورو بعبارة شكر لافتة للاهتمام بامتثال المعنيين للأمر مديلاً توقيعه بصفته الرسمية كرئيس، وهذا الربط بين الدعوة لإغلاق الأجواء وبين المحادثة السياسية يشير إلى استراتيجية ضغط مركبة تمارسها الإدارة الأمريكية تتضمن التلويح بالقوة العسكرية والسيطرة الميدانية بالتوازي مع فتح قنوات اتصال غامضة النتائج، مما يضع المراقبين في حيرة حول ما إذا كانت هذه الخطوات تمهيدًا لعمل عسكري أوسع أم أنها مجرد أوراق ضغط لتحسين شروط التفاوض في ملفات شائكة ومعقدة تعاني منها المنطقة منذ سنوات طويلة.
التحركات العسكرية الأمريكية بعد أنباء مكالمة ترامب ومادورو
على الرغم من الطابع الدبلوماسي الظاهري الذي قد توحيه أخبار مكالمة ترامب ومادورو، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى تحركات عسكرية أمريكية مكثفة وغير مسبوقة في المنطقة المحيطة بفنزويلا؛ حيث تركز القوات الأمريكية جهودها الحالية بشكل رسمي على عمليات مكافحة المخدرات في منطقة الكاريبي والمحيط الهادئ، ولكن التقارير الميدانية والتحليلات العسكرية تؤكد أن حجم القوة العسكرية والحشود التي تم نشرها وتخصيصها لهذه المهمة يفوق بكثير ما هو مطلوب تقليديًا لعمليات مكافحة التهريب المعتادة، وقد ترجمت هذه القوة الهائلة تواجدها إلى أفعال ملموسة وعنيفة خلال الأسابيع الماضية من خلال تنفيذ سلسلة من الضربات المركزة والدقيقة التي استهدفت قوارب ومركبات بحرية قالت واشنطن إنها تُستخدم في تهريب المخدرات، وقد أسفرت هذه العمليات العسكرية المستمرة منذ شهر سبتمبر الماضي عن نتائج دموية وخسائر بشرية كبيرة في صفوف المهربين المشتبه بهم، ويوضح الجدول التالي ملخصًا لأبرز البيانات الرقمية المتعلقة بهذه العمليات العسكرية الأخيرة:
| نوع البيانات | التفاصيل والإحصائيات |
|---|---|
| عدد الضربات العسكرية | ما لا يقل عن 21 ضربة مباشرة |
| عدد القتلى المسجلين | 83 شخصًا على الأقل |
| النطاق الجغرافي للعمليات | منطقة الكاريبي والمحيط الهادئ |
| بداية التصعيد | منذ شهر سبتمبر الماضي |
تأتي هذه العمليات العسكرية المكثفة وسط تقارير متواترة ترددت في الأسابيع الماضية تتحدث عن عمل عسكري وشيك أو تحرك استراتيجي كبير يتم التحضير له، خاصة مع استمرار الجيش الأمريكي في نشر المزيد من القوات والتعزيزات في منطقة الكاريبي الحيوية؛ وهو ما يعكس تدهورًا مستمرًا في العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع فنزويلا ويزيد من تعقيد المشهد الذي جاء خبر مكالمة ترامب ومادورو ليضيف إليه بعدًا جديدًا من الغموض بدلاً من توضيحه، فالجمع بين الحشود العسكرية الضخمة التي تتجاوز مهام مكافحة المخدرات وبين الاتصالات الرئاسية المباشرة وغير المعلنة يشير إلى أن واشنطن تتبع نهجًا مزدوجًا يجمع بين التهديد العسكري المباشر والمناورات السياسية خلف الكواليس، في وقت تترقب فيه الأوساط الدولية ما ستسفر عنه هذه التحركات المتسارعة وما إذا كان إغلاق المجال الجوي هو الخطوة الأولى نحو سيناريوهات أكثر تصعيدًا قد تغير خريطة التوازنات في أمريكا اللاتينية بالكامل خلال الفترة المقبلة.
