تحديات الصداقة لدى المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لم تعد مجرد مادة علمية جافة في الكتب الطبية؛ فقد سلطت الدراما الضوء عليها مؤخرًا وبقوة من خلال مسلسل “ميدتيرم” الذي بدأ عرضه على منصة WATCH IT، إذ قدمت الحلقة الأولى منظورًا إنسانيًا عميقًا حول كيفية تشكل العلاقات الأولى داخل الحرم الجامعي، وكيف يواجه الطلاب الجدد مواقف تعيد تعريف هويتهم الاجتماعية والنفسية في بيئة مليئة بالأحكام المسبقة والتفاعلات السريعة التي قد لا ترحم الاختلاف.
انطلقت أحداث الحلقة بمشهد يجمع بين الطرافة والارتباك الشديد، حيث تصل الشخصية “تيا” التي تلعب دورها الفنانة الشابة ياسمينا العبد إلى الجامعة للمرة الأولى، لتجد نفسها في مأزق محرج للغاية بعد أن داست دون قصد على نفايات كريهة الرائحة عند البوابة الرئيسية، وما زاد الطين بلة هو دخولها المحاضرة الأولى لتواجه ردود فعل قاسية وتنمرًا من إحدى الطالبات بسبب الرائحة العالقة بحذائها؛ وهنا يبرز دور “يزن” الذي يجسده زياد ظاظا بشخصيته الداعمة والهادئة، فيقدم لها المناديل والمساندة المعنوية لتجاوز الموقف، كاشفًا بجرأة عن إصابته باضطراب ADHD، وهي خطوة شجاعة تفتح المجال لمناقشة تحديات الصداقة لدى المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في مجتمعنا.
فهم السلوكيات الاجتماعية وتحديات الصداقة لدى المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
تكشف التجارب الواقعية أن تحديات الصداقة لدى المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لا تكمن في بداية العلاقة، فهم غالبًا ما يجذبون الآخرين بخفة ظلهم وعفويتهم الساحرة، ولكن الصعوبة الحقيقية تظهر في الحفاظ على استمرارية هذه الروابط، حيث يعاني المصاب من مشكلة “الغياب دون انتباه” التي قد تمتد لشهور دون تواصل، وذلك لأن تركيزه يكون منصبًا بالكامل على الشخص الحاضر أمامه فقط؛ وبمجرد غياب الصديق عن ناظريه يضعف الحضور الذهني للعلاقة بسبب اضطراب الإحساس بالوقت الشائع لديهم، مما يفسره الآخرون خطأً على أنه إهمال أو برود في المشاعر، بينما هو في الحقيقة نتاج طبيعة عمل أدمغتهم التي تعيش اللحظة الحالية فقط.
تظهر أيضًا مشكلة المقاطعة أثناء الحديث كواحدة من أبرز السمات التي قد تسبب حرجًا اجتماعيًا، حيث يميل المصاب إلى مقاطعة الآخرين أو الاسترسال في الكلام دون وعي، ليس بقصد التقليل من شأن المتحدث، بل لصعوبة تنظيم الانتباه وتدفق الأفكار لديه، وللتغلب على هذه العقبات السلوكية التي تؤثر على جودة العلاقات، يمكن اتباع مجموعة من الخطوات العملية التي تساعد في تحسين التواصل الاجتماعي وتقليل سوء الفهم الناتج عن الأعراض:
- الاستعانة بتطبيقات التذكير التلقائية لإجراء مكالمات أو إرسال رسائل نصية للأصدقاء المقربين لكسر حاجز الغياب غير المقصود.
- مراقبة السلوك الشخصي في المواقف الاجتماعية بهدوء ودون جلد للذات، فالوعي بالعادات الكلامية هو الخطوة الأولى لتعديلها.
- شرح طبيعة الاضطراب للأصدقاء المقربين ليكونوا أكثر تفهمًا لنمط التواصل المتقطع أو العفوي.
استراتيجيات التعامل مع الانفعالات وتشتت الانتباه في الصداقات
عند الحديث عن تحديات الصداقة لدى المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لا يمكن إغفال جانب “تفويت التفاصيل” الذي يحدث عندما يسرح المصاب بذهنه أثناء حديث صديقه، فيفوت نقاطًا جوهرية قد تكون عاطفية أو هامة، مما يتطلب منه الشجاعة للاعتراف بتشتته وطلب إعادة الجزء الفائت بعبارة لطيفة تظهر اهتمامه الحقيقي؛ وبالتوازي مع ذلك تبرز مشكلة “الانفعال الزائد”، حيث يواجه البعض صعوبة في تنظيم مشاعرهم، مما يؤدي لردود فعل مبالغ فيها يتبعها ندم شديد قد يرهق كاهل الصداقة مع تكراره، ويوضح الجدول التالي أبرز هذه المشكلات والحلول المقترحة للتعامل معها بفعالية:
| المشكلة السلوكية | التأثير على الصداقة | استراتيجية الحل المقترحة |
|---|---|---|
| تشتت الانتباه وتفويت التفاصيل | شعور الطرف الآخر بعدم الاهتمام | الصارحة وطلب الإعادة بأسلوب مهذب يظهر الحرص |
| الانفعال العاطفي الزائد | إرهاق العلاقة وردود فعل نادمة | تقنيات العلاج السلوكي المعرفي واليقظة الذهنية |
التغلب على حساسية الرفض وإخفاء الذات الحقيقية
تتعمق تحديات الصداقة لدى المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لتشمل جوانب نفسية داخلية معقدة مثل “حساسية الرفض”، وهي حالة تدفع المصاب لتفسير المواقف العادية، كتأخر الرد على الرسائل، على أنها رفض شخصي قاطع أو تجاهل متعمد، مما يسبب ألمًا نفسيًا غير مبرر، ولتجاوز هذه المعضلة ينصح الخبراء بضرورة إعادة تفسير المواقف بوعي وافتراض حسن النية أو انشغال الطرف الآخر، بدلًا من الانجراف وراء التفسيرات السلبية التي تمليها المخاوف الداخلية وتؤدي إلى تصدع العلاقات المتينة دون سبب حقيقي يستدعي ذلك.
يلجأ الكثيرون أيضًا إلى ما يعرف بـ “Masking” أو إخفاء الذات، وهي محاولة مستمرة لإخفاء الأعراض الحقيقية والظهور بصورة مقبولة اجتماعيًا لإرضاء من حولهم، وهو سلوك يؤدي مع مرور الوقت إلى استنزاف نفسي هائل؛ لذا فإن الحل الأمثل للتعامل مع هذا الجانب من تحديات الصداقة لدى المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يكمن في ملاحظة مواقف إرضاء الآخرين والتوقف عنها تدريجيًا، والبدء في التعبير عن النفس بصدق وشفافية أكبر، لأن الصداقة الحقيقية هي التي تستوعب الإنسان بطبيعته واختلافاته دون الحاجة إلى ارتداء أقنعة مرهقة.
إدراك هذه الأبعاد النفسية والسلوكية يمهد الطريق لبناء علاقات صحية ومستدامة، حيث يصبح الصدق والوعي بالذات هما الجسر الذي يعبر عليه المصاب باضطراب ADHD نحو صداقات أعمق وأكثر تفهمًا، متجاوزًا بذلك كل العقبات التي قد تفرضها طبيعة هذا الاضطراب.
