الإخوان في أوروبا: خطط تفكيك شبكات النفوذ وقطع شريان التمويل عن التنظيم عبر القارة

الإخوان في أوروبا: خطط تفكيك شبكات النفوذ وقطع شريان التمويل عن التنظيم عبر القارة

تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا بات يشكل القضية المحورية التي تشغل بال دوائر صنع القرار الأمني والسياسي في القارة العجوز، خاصة بعد التحولات الدراماتيكية التي أعقبت سقوط حكم الجماعة في مصر عام 2013، حيث تحولت المدن الأوروبية الكبرى من مجرد محطات عبور مؤقتة إلى الساحة الأهم والمركز الاستراتيجي البديل لإعادة تجميع الصفوف، إذ استقبلت الدول الأوروبية آلاف الكوادر والقيادات الهاربة التي وجدت في المناخ الديمقراطي وقوانين اللجوء بيئة مثالية للاستقرار، لتبدأ مرحلة جديدة من العمل التنظيمي الذي انتقل إشرافه المباشر إلى ما يُعرف بالتنظيم الدولي، ليصبح هذا الوجود المكثف أمراً واقعاً يفرض تحديات أمنية ومجتمعية غير مسبوقة.

تطور وتوسع شبكة تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا

لم يكن انتشار تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا وليد الصدفة أو مجرد رد فعل عشوائي للأحداث السياسية في الشرق الأوسط، بل كان نتاج خطة ممنهجة تمتد جذورها لعقود طويلة بدأت نواتها الأولى مع تأسيس مركز ميونيخ الإسلامي الذي شكل حجر الزاوية للانطلاق نحو باقي الدول، ومنذ تلك اللحظة تمدد التنظيم تدريجياً وبشكل هادئ تحت مظلة مؤسسية ضخمة كانت تعرف سابقاً باسم اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وهي المظلة التي سعت لتوحيد جهود الحركة وصبغها بصبغة رسمية مقبولة قانونياً، قبل أن تتحول لاحقاً في خطوة تكتيكية ذكية إلى ما يسمى حالياً “اتحاد مسلمي أوروبا”، وهو كيان ضخم ومعقد يضم تحت جناحه ما يقرب من ثلاثين فرعاً موزعة بعناية في مختلف أنحاء القارة، ولا يقتصر عمل هذه الشبكة على الجانب الديني فحسب، بل يمتد ليشمل إدارة كيانات متنوعة تعمل بتناغم تام لخدمة أهداف الجماعة وترسيخ أقدام تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا بشكل أعمق داخل النسيج المجتمعي الغربي.

تعتمد استراتيجية التغلغل هذه على إنشاء مؤسسات تعمل واجهات متعددة تخفي خلفها العمل التنظيمي البحت، وتشمل هذه المؤسسات قطاعات حيوية تضمن للجماعة الاستمرارية والتأثير، ومن أبرز هذه القطاعات التي تم رصدها:

  • المؤسسات التعليمية والمدارس الخاصة التي تهدف إلى تنشئة الأجيال الجديدة وفق فكر الجماعة.
  • الجمعيات الخيرية والإغاثية التي تعمل بحرية تامة وتجمع التبرعات تحت غطاء العمل الإنساني.
  • الكيانات الاقتصادية والاستثمارية التي توفر الغطاء المالي وتدير أصولاً عقارية وتجارية ضخمة.

الهيكلة المالية والإدارية التي تحكم تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا

إن قوة تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا لا تستند فقط إلى الانتشار الجغرافي، بل تعتمد بشكل أساسي على هيكلة إدارية صارمة ونظام مالي حديدي يضمن الولاء والتدفق النقدي المستمر، حيث ألزم التنظيم الدولي كافة الكوادر الوافدة والمقيمة بالانضمام الفوري إلى الأفرع المحلية في دول إقامتهم، مع فرض التزام مالي صارم يُعرف بـ “سهم الدعوة”، وهو استقطاع مالي إلزامي قد يصل إلى عشرة بالمئة من إجمالي الدخل الشهري للعضو، ليتحول هذا السهم إلى شريان مالي حيوي يضخ الأموال بانتظام، ويمتد عبر دول القارة ليمول الأنشطة المختلفة، والمؤتمرات، والرواتب، والتوسعات العقارية، مما يجعل الجماعة قوة اقتصادية مستقلة قادرة على تمويل نفسها بعيداً عن الرقابة التقليدية، ويوضح الجدول التالي أبرز ملامح هذه الهيكلة المالية والإدارية التي تضمن تماسك الشبكة:

عنصر الهيكلة الوصف والآلية
التبعية الإدارية إشراف مباشر من التنظيم الدولي مع إلزامية الانضمام للأفرع المحلية في كل دولة أوروبية.
التمويل الذاتي (سهم الدعوة) استقطاع شهري إجباري من دخل الأعضاء يصل إلى 10% لضمان التدفق المالي المستمر.

المواجهة الحكومية ومستقبل تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا

مع مرور الوقت وتزايد المؤشرات المقلقة، بدأت الحكومات الأوروبية تدرك بوضوح حجم التمدد الذي حققه تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا، حيث لم تعد القضية مجرد مؤتمرات تنظم هنا وهناك أو جمعيات تعمل تحت غطاء الاندماج الثقافي، بل تكشفت أمام الأجهزة الأمنية شبكات تمويل معقدة يتشابك فيها العمل الخيري البريء مع العمل التنظيمي الحزبي، مما دفع العديد من البرلمانات وأجهزة الاستخبارات في دول مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا إلى إصدار تقارير متصاعدة تحذر من خطورة هذا النفوذ الذي نسج خيوطه ببراعة على مدى عقود طويلة، وأصبحت التحقيقات البرلمانية أكثر تكراراً وجدية في ملاحقة مصادر التمويل وكشف الارتباطات الخفية بين الجمعيات المحلية والقيادة المركزية للجماعة.

اليوم تقف القارة الأوروبية أمام منعطف تاريخي في علاقتها مع الإسلام السياسي، حيث تتجه السياسات الرسمية نحو مراجعة أعمق وأشمل لدور الجماعة وتأثيرها الحقيقي على قيم الديمقراطية والاندماج، فلم يعد السؤال المطروح في الأروقة السياسية يدور حول ما إذا كان الإخوان يشكلون جزءاً من المشهد الأوروبي أم لا، بل تجاوز ذلك ليصبح سؤالاً وجودياً وأمنياً ملحاً حول الكيفية التي ستتعامل بها القارة مع شبكة تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا التي ترسخت بعمق داخل مجتمعاتها، وعن حدود قدرة القوانين والمؤسسات الأوروبية على تفكيك هذه الشبكة العنكبوتية المعقدة التي استغلت مساحات الحرية لتبني دولتها الخاصة داخل الدول.