الدحيح أمام اختبار السعودية: هل يتجاوز الغندور “كبوة” بيروت وينقذ سمعة عروضه المباشرة؟

الدحيح أمام اختبار السعودية: هل يتجاوز الغندور “كبوة” بيروت وينقذ سمعة عروضه المباشرة؟

عرض الدحيح في بيروت الذي قدمه صانع المحتوى المصري الشهير أحمد الغندور واجه مؤخراً موجة حادة من الآراء السلبية عقب انتهائه، حيث لم يرقَ الأداء الحي إلى مستوى التوقعات العالية التي بناها جمهوره العريض عبر سنوات من النجاح الرقمي الساحق على منصة يوتيوب، وقد فتح هذا الحدث باب النقاش واسعاً في الأوساط الفنية حول مدى قدرة مشاهير السوشيال ميديا على الوقوف بثبات أمام الجماهير الحقيقية على خشبة المسرح التقليدي، خاصة بعد الاتهامات التي طالت العرض بضعف المحتوى وسوء التنظيم.

أسباب فشل عرض الدحيح في بيروت فنياً

لم يكن عرض الدحيح في بيروت مجرد أمسية ترفيهية عابرة بل تحول سريعاً إلى مادة دسمة للنقد اللاذع في الصحافة اللبنانية؛ حيث كتب الصحفي فؤاد بزي في جريدة الأخبار تحليلاً دقيقاً أشار فيه بوضوح إلى أن الغندور لم يستطع نقل سحره المعتاد من أمام الكاميرا إلى الجمهور الحي، وقد تبين من خلال التجربة أن لغة الأرقام واللايكات التي تصنع النجومية الافتراضية تختلف جذرياً عن لغة التصفيق أو الوجوم التي تحكم العلاقة المباشرة والحية بين الفنان والحضور؛ إذ افتقد العرض بشدة إلى التفاعل الطبيعي والقدرة على الارتجال أو خلق حالة مسرحية حقيقية تتجاوز مجرد السرد المحفوظ للنصوص العلمية.

الملاحظة الأبرز التي تكررت باستهجان على ألسنة الحاضرين كانت تتعلق بطبيعة المادة المقدمة التي وصفوها بالمكررة والمستهلكة تماماً؛ فبدلاً من تقديم نص مسرحي مبتكر يليق بجمهور دفع ثمن التذاكر للحصول على تجربة فريدة وجدوا أنفسهم أمام نسخة كربونية من إحدى حلقات برنامج الدحيح القديمة المتوفرة مجاناً على الإنترنت، وقد زاد من حدة الموقف شعور الحضور بأن العنوان العريض للعرض “فن المرمطة” لم يكن سوى غلاف تجاري براق يهدف لاستغلال الشهرة الرقمية الواسعة للغندور لتحقيق مكاسب مادية سريعة وضخمة، وذلك دون تقديم أي قيمة فنية مضافة أو احترام حقيقي لعقلية المتفرج الذي انتظر العرض طويلاً.

كواليس تنظيم عرض الدحيح في بيروت والأسعار

لم تتوقف خيبة الأمل عند حدود الأداء الفني الباهت بل تجاوزته لتشمل الجوانب التنظيمية التي وصفت بالسيئة للغاية في عرض الدحيح في بيروت؛ حيث اشتكى الحاضرون بمرارة من الفوضى العارمة وتأخر الدخول واضطرارهم للانتظار في قاعات جانبية ضيقة لفترات طويلة قبل بدء الحدث، وما زاد الطين بلة هو الفقرة الافتتاحية التي قدمها الكوميديان اللبناني وسام كمال والتي اعتبرت غير موفقة إطلاقاً، وفيما يلي أبرز النقاط التي أثارت استياء الجمهور في هذا الجانب:

  • افتتاح العرض بنكات تمس الفقراء والمتسولين بطريقة اعتبرها الكثيرون نوعاً من التنمر والإساءة غير المقبولة.
  • عدم ملاءمة الفقرة التمهيدية للجو العام للأمسية مما خلق حالة من التوتر المبكر بين الجمهور.
  • شعور الحاضرين بوجود فجوة أخلاقية وفنية كبيرة بين ما توقعوه من محتوى ثقافي وبين ما تم تقديمه فعلياً.

الجانب المادي كان له نصيب الأسد من غضب المتابعين الذين قارنوا بين التكلفة المرتفعة جداً للتذاكر وبين المدة الزمنية القصيرة للعرض؛ إذ اعتبر الكثيرون أن هناك استغلالاً تجاريًا واضحاً لمحبة الناس لشخصية الدحيح من خلال فرض أسعار لا تتناسب إطلاقاً مع “منتج” لم يتجاوز الخمسين دقيقة من الكلام، ويوضح الجدول التالي التباين الصادم الذي رصده الحضور بين التكلفة المدفوعة والقيمة الزمنية المستلمة:

سعر التذكرة مدة العرض الفعلية
تراوحت بين 20 و 80 دولاراً أقل من 50 دقيقة

تسببت هذه المعادلة غير العادلة في مغادرة أعداد ملحوظة من الجمهور للقاعة قبل انتهاء العرض تعبيراً عن خيبة أملهم الكبيرة وشعورهم بالملل من سطحية الطرح.

تفاعل الجمهور ومستقبل الجولة بعد بيروت

أظهرت تجربة عرض الدحيح في بيروت خللاً واضحاً في فهم طبيعة الجمهور اللبناني وتنوعه العمري والفكري الكبير؛ حيث تعامل الغندور مع الحضور بأسلوب فوقي يشبه تعامل المعلم مع تلاميذه الصغار في الصف طالباً منهم إجابات ساذجة وبسيطة لا تليق بمستواهم الثقافي المعروف، وهذا الخطأ الجسيم في قراءة الجمهور كشف عن محدودية أدوات صانع المحتوى الرقمي عندما يتجرد من مؤثرات المونتاج والإعادة ليواجه الناس وجهاً لوجه، ورغم هذه العثرة الكبيرة والانتقادات اللاذعة يستعد الغندور لاستكمال جولته العربية التي ستصل قريباً إلى محطاتها التالية في المملكة العربية السعودية.

بينما يترقب الجمهور السعودي العروض القادمة في جدة والرياض يومي التاسع عشر والعشرين من ديسمبر الجاري؛ تبقى تجربة عرض الدحيح في بيروت درساً قاسياً حول صعوبة الانتقال من العالم الافتراضي إلى خشبة المسرح، وتذكيراً بأن الشهرة الرقمية وحدها لا تكفي لصناعة عرض حي ناجح يقنع الجمهور ويدفعه للتصفيق بصدق.