لقاحات كورونا تواجه تحذيراً أمريكياً مشدداً وسط اعتراضات واسعة

لقاحات كورونا تواجه تحذيراً أمريكياً مشدداً وسط اعتراضات واسعة

لقاحات كوفيد-19 تتصدر المشهد الصحي والسياسي مجددًا في الولايات المتحدة الأمريكية مع توجه إدارة الغذاء والدواء لوضع تحذيرات شديدة اللهجة عليها؛ وتأتي هذه الخطوة المثيرة للجدل بتوجيه من مسؤولي الصحة في إدارة الرئيس دونالد ترامب مما يهدد بتقويض الثقة في مستحضر طبي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه إنجاز علمي بارز خلال ولايته الأولى؛ ورغم تأكيدات الخبراء الطبيين المستمرة بعدم وجود أي أساس علمي يستدعي هذه التحذيرات القاسية، إلا أن المصادر المطلعة تشير إلى إصرار الإدارة الجديدة على المضي قدمًا في هذا الإجراء الذي قد يغير خريطة التعاطي مع اللقاحات مستقبلاً.

طبيعة وتفاصيل التحذيرات المقترحة على لقاحات كوفيد-19

يُصنف التحذير الجديد الذي تعتزم الوكالة فرضه والمعروف باسم “التحذير المؤطر” أو ذي الإطار الأسود بأنه أخطر أنواع التنبيهات التي يمكن أن تصدرها هيئة تنظيمية على الأدوية والمستحضرات البيولوجية؛ ويظهر هذا التنبيه عادةً في الجزء العلوي من وثيقة معلومات وصف الدواء ليلفت انتباه الأطباء والمرضى إلى مخاطر جسيمة محتملة؛ وتشمل هذه المخاطر احتمالية الوفاة أو حدوث ردود فعل خطيرة تهدد الحياة أو تسبب عجزًا دائمًا؛ وهو إجراء يتطلب موازنة دقيقة وحساسة بين هذه المخاطر النظرية وبين الفوائد العلاجية المؤكدة للتدخل الطبي؛ كما يمكن استخدام هذا النوع من التحذيرات لتقييد استخدام الدواء وتوجيهه لفئات محددة فقط لتقليل المخاطر المحتملة.

لا تزال تفاصيل الخطة غير نهائية تمامًا وفقًا لمصادر رفضت الكشف عن هويتها حيث لم يتم الحسم بعد فيما إذا كانت هذه الإجراءات ستشمل جميع أنواع اللقاحات المعتمدة أم ستقتصر على فئة محددة؛ وهناك حالة من عدم اليقين تحيط بنطاق التطبيق والفئات المستهدفة بهذه التحذيرات المتوقع الكشف عنها رسميًا بحلول نهاية العام الجاري؛ وتتضمن النقاط العالقة التي لم يتم البت فيها عدة جوانب محورية تتعلق بآلية التنفيذ ونوعية اللقاحات المستهدفة بشكل مباشر من قبل الإدارة الجديدة:

  • ما إذا كانت التحذيرات ستُطبق حصريًا على اللقاحات التي تستخدم تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA).
  • احتمالية شمول التحذيرات لجميع لقاحات كوفيد-19 المعتمدة بغض النظر عن التقنية المستخدمة في تصنيعها.
  • تحديد الفئات العمرية التي ستتأثر بهذه التحذيرات وما إذا كانت ستشمل الأطفال والبالغين على حد سواء.

تسييس ملف لقاحات كوفيد-19 وتضارب التوجهات

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في السابق على ثلاثة لقاحات رئيسية للاستخدام داخل الولايات المتحدة يعتمد اثنان منها على تقنية (mRNA) التي كانت محور اهتمام كبير؛ ولكن المشهد الحالي يعكس تضاربًا واضحًا بين الإنجازات السابقة والتوجهات الحالية؛ فقد كان التطوير السريع لهذه اللقاحات ضمن مشروع “عملية السرعة القصوى” أحد أبرز نجاحات ولاية ترامب الأولى والذي وصفه مشرعون جمهوريون بأنه يستحق جائزة نوبل؛ ومع ذلك فقد قام الرئيس بتعيين روبرت ف. كينيدي جونيور وزيرًا للصحة والخدمات الإنسانية وهو شخصية معروفة بتشكيكها المستمر في اللقاحات؛ وقد واجه كينيدي انتقادات واسعة من خبراء الصحة العامة والمشرعين بسبب محاولاته لفرض آرائه الشخصية وتجاهل الأدلة العلمية الراسخة التي أثبتت سلامة اللقاحات عبر تجارب شملت عشرات الآلاف.

لطالما شكك كينيدي وحلفاؤه في مأمونية وفعالية لقاحات كوفيد-19 رغم أنها خضعت لتجارب سريرية مضبوطة وصارمة شملت حوالي 75,000 شخص قبل طرحها؛ وتم إعطاؤها لاحقًا لملايين البشر حول العالم خلال فترة الجائحة دون ظهور مشكلات سلامة واسعة النطاق تبرر التحذيرات الجديدة؛ ويرى المتحدث باسم وزارة الصحة والخدمات الإنسانية أندرو نيكسون أن أي حديث عما ستقوم به إدارة الغذاء والدواء يظل في إطار التكهنات ما لم يصدر إعلان رسمي؛ إلا أن الإدارة كانت قد صرحت في شهر مايو الماضي بأنها ستطلب وضع تحذيرات سلامة في معلومات وصف اللقاح مما يعزز فرضية التدخل السياسي في القرارات العلمية البحتة.

الأدلة العلمية حول فعالية لقاحات كوفيد-19 وتأثيرها

تشير البيانات العلمية الموثقة إلى أن هذه اللقاحات لعبت دورًا حاسمًا في حماية الصحة العامة العالمية حيث أظهرت إحدى الدراسات الرصينة أنها حالت دون وقوع ما يقرب من 20 مليون حالة وفاة خلال عامها الأول فقط؛ وفي سياق متصل أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تقريرًا حديثًا يوضح الفوائد الملموسة لتلقي اللقاح بالنسبة للأطفال؛ حيث تبين أن الأطفال الذين حصلوا على التحصين كانوا أقل عرضة بشكل ملحوظ لزيارة أقسام الطوارئ ومراكز الرعاية العاجلة بسبب الفيروس ومضاعفاته خلال موسم انتشار الفيروسات التنفسية الأخير؛ وتظهر البيانات التالية نسب الفعالية المرتفعة للقاحات في حماية الأطفال الأصحاء من المضاعفات الخطيرة مقارنة بأقرانهم غير الملقحين:

الفئة العمرية للأطفال نسبة فعالية اللقاح في الوقاية
من 9 أشهر إلى 4 سنوات 76%
من 5 سنوات إلى 17 عامًا 56%

تستمر الهوة في الاتساع بين التوجهات السياسية للإدارة الجديدة وبين الحقائق العلمية التي تقدمها المؤسسات البحثية العريقة بشأن لقاحات كوفيد-19 وجدواها الصحية؛ فبينما تتجه السلطات لوضع ملصقات تحذيرية قد تثير الذعر، تؤكد الأرقام الرسمية أن اللقاحات لا تزال خط الدفاع الأول والأكثر فعالية لتقليل الضغط على المستشفيات وحماية الفئات الأكثر ضعفًا، مما يترك المواطن الأمريكي أمام مشهد معقد تتداخل فيه السلامة الطبية مع الحسابات السياسية.