بشار الأسد في روسيا: حياة بين الترف ومراجعة دروس طب العيون

بشار الأسد في روسيا: حياة بين الترف ومراجعة دروس طب العيون

حياة بشار الأسد في منفاه بموسكو تبدو كفصل ختامي مثير للجدل لمسيرة حاكم أثار عاصفة من الدماء والدمار في بلاده، فبعد أربعة عشر عامًا من الحرب الطاحنة التي أودت بحياة مئات الآلاف وشردت الملايين، استقر الرئيس السوري السابق في العاصمة الروسية ليعيش واقعًا يتسم بالبذخ المادي والعزلة الاجتماعية في آن واحد؛ إذ تشير التقارير إلى أنه ينعم بحياة رغدة بعيدًا عن ضجيج المعارك والمحاكمات الدولية.

تفاصيل العزلة والرفاهية التي تميز حياة بشار الأسد في منفاه بموسكو

يعيش الرئيس السابق وعائلته اليوم نمطًا حياتيًا يتسم بالهدوء المريب داخل أسوار حي روبليوفكا الراقي الذي يعد معقل النخبة الثرية في روسيا، وتؤكد المصادر المطلعة أن حياة بشار الأسد في منفاه بموسكو تجري داخل مجمع سكني محصن ومسوّر حيث يقطن بجوار شخصيات سياسية بارزة أخرى مثل الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش؛ وعلى الرغم من العقوبات الغربية القاسية التي طوقت النظام المالي السوري لسنوات طويلة، إلا أن العائلة تمكنت من النجاة بذكاء مالي عبر استثمار الجزء الأكبر من ثروتها داخل الأراضي الروسية منذ عام 2011، مما جعل أصولهم في مأمن تام من أي ملاحقات قانونية أو تجميد للأرصدة قد تفرضه الجهات التنظيمية في أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما يضمن لهم استمرار حياة الرفاهية دون أي منغصات مادية تذكر.

على الرغم من الفخامة الظاهرة التي تحيط بهم، إلا أن العزلة الاجتماعية تفرض نفسها بقوة على واقع الأسرة التي كانت يومًا ما ملء السمع والبصر في دمشق، فالمساعدون الروس يفرضون طوقًا أمنيًا وإجرائيًا صارمًا يمنع الأسد من التواصل مع كبار مسؤولي نظامه السابقين أو الانخراط في الدوائر الاجتماعية الراقية في موسكو وسوريا كما كان معتادًا؛ وتشير المعلومات الواردة من مصادر مقربة إلى أن دائرة الاتصال الخاصة به قد تقلصت بشكل درامي لتقتصر على شخصيات محدودة للغاية كانت تخدمه سابقًا، مما يعكس حالة من الانفصال التام عن العالم الخارجي والواقع السياسي الجديد الذي تشكل بعد سقوطه، وفيما يلي قائمة بالشخصيات القليلة التي يُسمح له بالتواصل معها:

  • منصور عزام، الذي شغل سابقًا منصب وزير شؤون الرئاسة السورية وكان من الدائرة الضيقة للقرار.
  • ياسر إبراهيم، وهو المستشار الاقتصادي الأبرز والمقرب من الأسد الذي يدير شؤونه المالية الخاصة.

كواليس الهروب الدرامي وتأثيره على حياة بشار الأسد في منفاه بموسكو

تكشفت تفاصيل مثيرة حول اللحظات الأخيرة التي سبقت مغادرة الأسد لدمشق في الساعات الأولى من صباح الثامن من ديسمبر 2024، حيث فرّ الرئيس السابق مع أبنائه تحت حراسة عسكرية روسية مشددة متوجهين إلى قاعدة حميميم الجوية، تاركين خلفهم حلفاءهم وأقرب المقربين ليواجهوا مصيرهم المجهول أمام تقدم الثوار السوريين نحو العاصمة؛ وتتجلى أنانية المشهد في الروايات التي أكدها شهود عيان وأصدقاء لعائلة الأسد، حيث لم يكلف بشار نفسه عناء تحذير شقيقه ماهر الأسد الذي ظل يتصل به لأيام دون جدوى، حتى وجد الثوار جمر الشيشة ما يزال دافئًا في مكتبه بالقصر الجمهوري، مما يؤكد أن ماهر كان هو من يحاول مساعدة الآخرين على النجاة بينما كان شقيقه يخطط لنجاة نفسه وعائلته الصغيرة فقط، وهو ما يعكس شرخًا عميقًا في العلاقات العائلية وتخليًا واضحًا عن المسؤولية في أحلك الظروف.

لم تقتصر مأساة الهروب والتخلي على القيادات العسكرية فحسب، بل امتدت لتشمل أقارب الرئيس من الدرجة الأولى الذين وجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه عند بوابات القواعد الروسية، فقد روى محامي رفعت الأسد كيف عاش موكلوه حالة من الذعر الشديد وهم يحاولون التواصل مع الجنود الروس الذين لم يفهموا لغتهم العربية أو الإنجليزية؛ واضطر ثمانية من أفراد عائلة رفعت للنوم في سياراتهم أمام القاعدة الجوية في مشهد مذل لم ينتهِ إلا بتدخل مسؤول روسي رفيع المستوى للسماح لهم بالمغادرة، وهذا يؤكد أن ترتيبات حياة بشار الأسد في منفاه بموسكو كانت معدة سلفًا له ولزوجته وأبنائه حصريًا دون أدنى اكتراث بمصير بقية أفراد العشيرة الذين ساهموا في تثبيت أركان حكمه لعقود، ويمكن تلخيص أبرز محطات هذا الهروب والوضع الحالي في الجدول التالي:

الحدث الرئيسي التفاصيل والملاحظات
توقيت الهروب صباح 8 ديسمبر 2024 بالتزامن مع حصار دمشق.
نقطة الإجلاء قاعدة حميميم الجوية الروسية بحماية عسكرية خاصة.
الوضع الصحي تركيز العائلة منصب على دعم أسماء الأسد في علاجها من السرطان.

الموقف الروسي وتطلعات المستقبل في حياة بشار الأسد في منفاه بموسكو

تحول الأسد في نظر الكرملين والنخبة السياسية الروسية من حليف استراتيجي إلى شخصية هامشية لا قيمة لها في المعادلات الدولية الجديدة، إذ تشير المصادر المقربة من دوائر صنع القرار في موسكو إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين، الذي لا يتسامح عادة مع القادة الذين يفشلون في الحفاظ على سلطتهم، بات ينظر للأسد كضيف غير مرغوب فيه على موائد العشاء الرسمية أو النقاشات السياسية؛ وتؤكد هذه التحولات الجذرية أن حياة بشار الأسد في منفاه بموسكو باتت مجردة من أي نفوذ سياسي، حيث أصبح وجوده عبئًا بروتوكوليًا أكثر منه ورقة ضغط رابحة، وهو ما يفسر غيابه التام عن المشهد الإعلامي والسياسي الروسي منذ وصوله وحتى اليوم.

في ظل هذا الواقع الجديد والفراغ الكبير، عاد الرئيس السابق للبحث عن شغفه القديم واهتماماته الشخصية التي طالما نحّاها جانبًا بسبب أعباء السلطة والحرب، حيث أفاد أصدقاء مقربون أنه يقضي وقته حاليًا في دراسة اللغة الروسية بجدية ومراجعة معلوماته الطبية في مجال طب العيون الذي كان يمارسه قبل توليه الرئاسة؛ ويبدو أن الأسد يخطط لرسم مسار جديد لحياته المهنية بعيدًا عن السياسة، إذ يتوقع المقربون منه أن تصبح النخبة الثرية في موسكو هي قاعدة زبائنه المستهدفة في المستقبل، مستفيدًا من علاقاته السابقة ووضعه كطبيب عيون متمرس، ليتحول بذلك من رئيس دولة إلى طبيب خاص يعيش في الظل.

تتمحور يوميات العائلة حاليًا بشكل أساسي حول الوضع الصحي للسيدة الأولى السابقة أسماء الأسد التي تعاني من سرطان الدم، حيث تلتف الأسرة حولها لتقديم الدعم النفسي والمعنوي في رحلة علاجها الطويلة، لتصبح حياة بشار الأسد في منفاه بموسكو محصورة بين جدران منزله الفاخر ومراجعة الكتب الطبية ورعاية زوجته المريضة، منهيًا بذلك حقبة طويلة من الحكم المطلق ليدخل في عزلة اختيارية وإجبارية تضمن له البقاء على قيد الحياة ولكن خارج صفحات التاريخ الفاعل.