استنساخ الحيوانات الأليفة: صناعة مليارية تزدهر رغم نسبة نجاح لا تتعدى 4%

استنساخ الحيوانات الأليفة: صناعة مليارية تزدهر رغم نسبة نجاح لا تتعدى 4%

يشهد استنساخ الحيوانات الأليفة توسعاً ملحوظاً مع ظهور شركات متخصصة مثل “أوفوكلون” الإسبانية التي توفر خدمات حفظ الحمض النووي مقابل رسوم تصل إلى 1500 يورو، وتخطط هذه الشركة لنقل نشاطها بقوة إلى دبي والدوحة للعمل على استنساخ الإبل والصقور في ظل تزايد الطلب العالمي على هذه التقنية المعقدة؛ وفي حين يدافع الرئيس التنفيذي إنريكي كريادو عن هذا الإجراء باعتباره مسألة حرية شخصية لدرجة أن بعض العملاء يقترضون المال لتغطية التكاليف الباهظة، فإن هذا القطاع يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل علاقتنا بالكائنات الحية ومدى تأثير المال على قوانين الطبيعة.

سوق استنساخ الحيوانات الأليفة بين هوس المشاهير والأرقام الفلكية

أثار انتشار خدمات استنساخ الحيوانات الأليفة شهية الشركات الاستثمارية الكبرى بعد تحوله إلى صناعة عالمية مزدهرة تُقدر قيمتها بنحو 300 مليون دولار أمريكي خلال عام 2024، وتشير التوقعات الصادرة عن شركة “وايز جاي” إلى أن هذا الرقم مرشح للقفز ليصل إلى 1.5 مليار دولار بحلول عام 2035؛ ويأتي هذا النمو المتسارع مدفوعاً برغبة أصحاب الحيوانات في شراء “استمرار” مكلف لحيواناتهم المحبوبة عبر شركات مهيمنة مثل “فياجين بيتس” الأمريكية التي تتقاضى مبالغ طائلة، وتستخدم تقنيات متطورة لنقل الحمض النووي مستوحاة من تجربة النعجة دوللي الشهيرة، وقد لفت هذا المجال أنظار شخصيات عامة بارزة لجأت فعلياً للاستنساخ الجيني مثل المغنية باربرا سترايساند التي استنسخت كلبتها “سامانثا”، والرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، بالإضافة إلى أسطورة كرة القدم الأمريكية توم برادي.

لم يعد الأمر يقتصر على الرفاهية فحسب بل امتد ليشمل صفقات استحواذ كبرى، حيث استحوذت شركة “كولوسال” المشهورة بمشاريع إحياء الأنواع المنقرضة على شركة “فياجين”؛ ويتوقع مات جيمس من كولوسال أن يتحول استنساخ الحيوانات الأليفة من مجرد ترف باهظ إلى وسيلة فعالة للحفاظ على البيئة وحماية الأنواع خلال العقد المقبل، ويمكن تلخيص أبرز البيانات المالية والخدمية المرتبطة بهذا القطاع في الجدول التالي لتوضيح حجم الاستثمار المطلوب:

البيان التفاصيل والتكلفة التقديرية
تكلفة استنساخ كلب (ViaGen) حوالي 59,000 دولار أمريكي
التكلفة في بريطانيا (عبر وسطاء) حوالي 45,000 جنيه إسترليني
قيمة السوق الحالية (2024) 300 مليون دولار أمريكي
القيمة المتوقعة (2035) 1.5 مليار دولار أمريكي

المخاطر الأخلاقية والضوابط الشرعية في عملية استنساخ الحيوانات الأليفة

على الرغم من التطور التقني الهائل الذي يحيط بملف استنساخ الحيوانات الأليفة إلا أن الحقائق العلمية تصطدم بواقع مرير يتمثل في أن نسبة النجاح التي تفضي إلى ولادة حية لا تتجاوز 2% إلى 4% فقط، وهذا الانخفاض الحاد يستلزم التضحية بأعداد كبيرة من الأجنة واللجوء إلى العديد من حالات الحمل البديلة المرهقة للحيوانات الحاضنة؛ ومن هذا المنطلق تعارض عالمة الأخلاقيات الحيوية فابيولا لايتون هذه العملية بشدة، حيث ترى أن أي نشاط تجاري يعامل الكائنات الحية كأدوات هو أمر مرفوض أخلاقياً وغير مقبول، خاصة في ظل وجود ملاجئ مكتظة بآلاف الحيوانات المهجورة التي تحتاج إلى رعاية وتبنٍ بدلاً من إنفاق ثروات طائلة على صناعة النسخ الجينية.

يؤكد العلماء أن التكنولوجيا مهما تقدمت فإن استنساخ الحيوانات الأليفة ينجح فقط في تكرار المادة الوراثية والشكل الخارجي لكنه يعجز تماماً عن إعادة الشخصية أو الروح التي ميزت الحيوان الأصلي، وهي حقيقة أقرت بها حتى باربرا سترايساند بعد تجربتها الشخصية؛ وفي السياق ذاته تحذر خبيرة سلوك الكلاب لويز غليزبروك من أن الدافع الحقيقي خلف هذه العمليات هو تخفيف حزن البشر وليس تحقيق مصلحة الحيوان، مما يقوض فكرة تفرد الحيوان الأصلي ويحول الكائن الحي إلى سلعة قابلة للاستبدال، وتتداخل هذه المخاوف السلوكية مع الإطار الشرعي والضوابط الأخلاقية التي تحكم التعامل مع الروح، والتي يمكن إيجاز محدداتها في النقاط التالية:

  • جواز الاستنساخ في النبات والحيوان مشروط بتحقيق مصلحة شرعية معتبرة مثل العلاج أو تحسين السلالات.
  • ضرورة درء المفاسد والتأكد من عدم إلحاق الضرر بالحياة أو العبث بمخلقوات الله دون مسوغ قوي.
  • التأكيد على أن الأموال الضخمة المنفقة يمكن توجيهها بشكل أفضل لرعاية الحيوانات المحتاجة بدلاً من محاولة “إحياء” ما مات.

رسائل تحذيرية من الأدب حول جوهر استنساخ الحيوانات الأليفة

تتقاطع النقاشات الأخلاقية المعاصرة حول استنساخ الحيوانات الأليفة بشكل مخيف مع الأدب الكلاسيكي، وتحديداً رواية الرعب الشهيرة “مقبرة الحيوانات الأليفة” للكاتب ستيفن كينغ التي تقدم قصة تحذيرية تلامس جوهر هذا الجدل؛ ففي الرواية يكتشف الدكتور لويس كريد مقبرة قديمة تمتلك قوة غامضة لإعادة الموتى إلى الحياة، فيقوم بإعادة قطته “تشيرش” وابنه الصغير “غيج”، لكن الصدمة تكمن في أنهم يعودون ككائنات عدوانية بلا روح وتتحول العملية إلى مأساة دموية، لأن الكائنات العائدة ليست سوى تشوهات خبيثة تفتقر إلى الجوهر الحقيقي الذي كان يميز الأصل قبل رحيله.

تحمل قصة كينغ رسالة أخلاقية خالدة مفادها أن تحدي الموت ومحاولة لعب دور الإله لا تؤدي إلى التجديد المنشود بل تقود حتماً إلى الفساد والدمار، وهو ما يماثل المخاوف الحديثة تجاه استنساخ الحيوانات الأليفة في مختبرات اليوم؛ فالشركات قد تنجح في محاكاة المظهر الخارجي بدقة متناهية، لكنها تظل عاجزة تماماً عن استعادة الروح الفريدة أو رابطة الحياة المشتركة التي جمعت المالك بحيوانه الراحل، ليبقى الاستنساخ مجرد محاولة باهظة الثمن للهروب من حقيقة الفقد الحتمية دون استعادة ما فُقد حقاً.