أندريس إنييستا يختار الهدف الأجمل في مسيرته متجاوزاً هدفه التاريخي بنهائي المونديال

أندريس إنييستا يختار الهدف الأجمل في مسيرته متجاوزاً هدفه التاريخي بنهائي المونديال
ليس بنهائي المونديال.. إنييستا يختار أجمل هدف في مسيرته

مسيرة أندريس إنييستا الكروية تعتبر واحدة من أكثر الحكايات إلهامًا في تاريخ كرة القدم الحديثة حيث كشف النجم الإسباني مؤخرًا عن الهدف الأقرب لقلبه والذي يفضله على غيره رغم اللحظات التاريخية الأخرى التي صنعها؛ وقد أكد أسطورة برشلونة في حديثه الصحفي أن جوهر اللعبة يتجاوز الدقائق التسعين فوق المستطيل الأخضر ليمتد إلى تحضيرات ذهنية وبدنية شاقة تستنزف طاقة اللاعب وتشكره في النهاية كجزء لا يتجزأ من حياة الاحتراف التي عاشها لسنوات طويلة.

رغم أن الأرقام التهديفية قد لا تكون العنصر الأبرز عند الحديث عن مسيرة أندريس إنييستا الكروية إذ سجل 57 هدفًا فقط خلال 674 مباراة بقميص البلوجرانا و13 هدفًا دوليًا في 131 مشاركة مع الماتادور إلا أن كل هدف منها كان يحمل بصمة أيقونية خاصة؛ والمفاجأة كانت في اختياره لهدفه الرائع ضد منتخب بلجيكا خلال تصفيات كأس العالم 2010 ليكون الأجمل في نظره الشخصي حيث وصفه بأنه هدف متكامل الجمال نظرًا لصعوبة المساحة الضيقة التي تحرك فيها والمهارة الفنية العالية التي استخدمها لتمرير الكرة من بين قدمي الحارس قبل أن يسكنها الشباك ببراعة فنية تلخص أسلوبه الساحر.

ذكريات الأهداف الحاسمة في مسيرة أندريس إنييستا الكروية

لا يمكن لأي مشجع لكرة القدم أن ينسى اللحظات الدرامية التي عاشها العالم مع إهداف “الرسام” خاصة تلك القذيفة المدوية في ستامفورد بريدج ضد تشيلسي في نصف نهائي دوري الأبطال عام 2009 والتي جاءت في الدقيقة 93 لتنقل برشلونة إلى نهائي روما في وقت ظن فيه الجميع أن الأمل قد تلاشى تمامًا؛ تلك اللحظة المجنونة التي عُرفت عالميًا بلقب “إنييستازو” تختلف في طبيعتها عن هدفه الأغلى في نهائي مونديال جوهانسبرج 2010 ضد هولندا حيث كان الدافع هناك هو تجنب ركلات الترجيح بأي ثمن وقد استمد القوة حينها ليسجل هدف التتويج ويكشف عن قميصه الداخلي الذي حمل رسالة وفاء مؤثرة لصديقه الراحل داني جاركي في مشهد إنساني خلدته الذاكرة.

العودة بالذاكرة إلى الوراء تكشف لنا الجانب الإنساني والمعاناة التي صقلت شخصية هذا النجم ففي الليلة الأولى له داخل جدران أكاديمية “لاماسيا” الشهيرة عاش الطفل القادم من قرية فونتالبيا الصغيرة واحدة من أقسى ليالي عمره وهو في الثانية عشرة فقط؛ فقد كان الابتعاد عن عائلته ومنزله الدافئ والانتقال لمواجهة المجهول وحيدًا بمثابة صدمة نفسية تركت أثرًا عميقًا في داخله وربما كانت تلك المشاعر المتراكمة هي البذرة الأولى لنوبات الاكتئاب التي عانى منها لاحقًا في ذروة مجده الكروي لكنها في الوقت ذاته كانت الشرارة التي أطلقت عنان حلمه نحو العالمية.

لقد توجت مسيرة أندريس إنييستا الكروية بكم هائل من الألقاب الجماعية والفردية التي جعلت منه أسطورة حية تمشي على الأرض حيث هيمن مع جيل برشلونة الذهبي ومنتخب إسبانيا على الأخضر واليابس محققًا كل ما يمكن للاعب كرة قدم أن يحلم به؛ وتوضح القائمة التالية أبرز البطولات الكبرى التي زينت خزائن النجم الإسباني خلال رحلته الطويلة في الملاعب الأوروبية والعالمية والتي تعكس حجم الإنجازات التي ساهم في تحقيقها كجزء أساسي من منظومة اللعب:

اسم البطولة عدد الألقاب المحققة
الدوري الإسباني (الليجا) 9 ألقاب
كأس ملك إسبانيا 6 ألقاب
دوري أبطال أوروبا 4 ألقاب
كأس الأمم الأوروبية (اليورو) لقبان (2008، 2012)
كأس العالم لقب واحد (2010)

التطور التكتيكي وتأثيره على مسيرة أندريس إنييستا الكروية

ارتبط اسم إنييستا بشكل وثيق بالحقبة الذهبية للمدرب بيب جوارديولا حيث شكل مع تشافي هيرنانديز وسيرجيو بوسكيتس مثلث رعب في خط الوسط لم يشهد التاريخ مثله من حيث التفاهم والقدرة على التحكم في نسق المباريات؛ ومن المثير للاهتمام أن إنييستا بدأ حياته كلاعب وسط دفاعي قبل أن ينقله المدرب فرانك ريكارد للجناح الأيسر لاستغلال قدراته البدنية ثم جاء جوارديولا ليعيده إلى العمق كمحور هجومي حيث انفجرت موهبته الحقيقية وأصبح المايسترو الذي يعزف سيمفونية “التيكي تاكا” مستخدمًا مهارته الشهيرة “لا كروكيتا” التي جعلت الأمور المعقدة تبدو في غاية السهولة والبساطة أمام الخصوم.

لم يعتمد نجاح هذا النجم على القوة البدنية أو الطول الفارع بل كان العقل هو المحرك الأساسي لكل تحركاته داخل الملعب وهو ما أكده مرارًا بأن الذكاء الميداني أهم بكثير من التفوق الجسدي؛ وقد ساهمت عدة عوامل فنية وذهنية في تشكيل أسطورته وجعله يتفوق على لاعبين يفوقونه قوة وحجمًا من خلال فهمه العميق لمساحات اللعب وتوقيت التمرير، ويمكن تلخيص أبرز هذه العوامل التي ميزت أسلوبه الفريد في النقاط التالية:

  • القدرة الفائقة على الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط في مساحات ضيقة للغاية.
  • التفاهم “التليباثي” مع الزملاء خاصة تشافي وميسي دون الحاجة للنظر.
  • الرؤية المحيطية للملعب واتخاذ القرارات الصحيحة في أجزاء من الثانية.
  • التواضع الكبير والاحترافية العالية في التعامل مع الخصوم والزملاء.

فلسفة كرة القدم في ختام مسيرة أندريس إنييستا الكروية

تحدث إنييستا بعمق عن الشراكة الاستثنائية مع تشافي مشيرًا إلى أن اللعب بجوار شخص لسنوات طويلة يخلق نوعًا من التواصل غير اللفظي حيث يصبح كل لاعب مدركًا لتحركات الآخر وعاداته وما يريحه داخل الملعب؛ هذا الانسجام لم يكن وليد الصدفة بل نتاج سنوات من التدريب المشترك والفهم المتبادل الذي جعل من خط وسط برشلونة ومنتخب إسبانيا مرجعية عالمية تدرس في أكاديميات كرة القدم حول العالم، مؤكدًا أن اللعب بجوار الأفضل هو الطريق الوحيد لتطوير الذات والوصول إلى الكمال الكروي.

في النهاية ورغم اعتزاله اللعب رسميًا في أكتوبر الماضي عن عمر يناهز 41 عامًا لا يزال شغف كرة القدم يتدفق في عروق “الرسام” الذي يرى أن كل لحظة قضاها في الملاعب كانت تجربة تستحق العناء؛ فمن التدريبات البسيطة في فونتالبيا إلى رفع كأس العالم في جوهانسبرج تظل مسيرة أندريس إنييستا الكروية درسًا بليغًا في أن الذكاء والموهبة والإصرار يمكنهم قهر المستحيل وصناعة التاريخ، مختتمًا رحلته بكلمات تعبر عن حبه الخالص للعبة التي أعطاها كل شيء ومنحته الخلود في قلوب الجماهير.