اعتزال الحكم الدولي محمود البنا شكل صدمة قوية ومفاجئة للأوساط الرياضية المصرية؛ فقد أعلن الحكم المخضرم بشكل رسمي تعليق صافرته محليًا وإنهاء مسيرته داخل المستطيل الأخضر المصري بعد رحلة طويلة استمرت أربعة وعشرين عامًا من العطاء المتواصل والجهد الكبير، ويأتي هذا القرار الحاسم ليطوي صفحة أحد أبرز قضاة الملاعب الذين نالوا الشارة الدولية لمدة اثني عشر عامًا مثلوا خلالها التحكيم المصري في العديد من المحافل القارية والدولية الهامة وسط أجواء مشحونة بقرارات إدارية أثارت حفيظته.
خفايا وأسباب اعتزال الحكم الدولي محمود البنا
جاء قرار الحكم المخضرم مصحوبًا ببيان مؤثر كشف فيه عن الدوافع الحقيقية التي أجبرته على اتخاذ هذه الخطوة الصعبة؛ إذ أكد أن الابتعاد لم يكن نتاج تراجع في المستوى الفني أو عجز بدني يمنعه من مجاراة نسق المباريات الحديثة، بل كان وليد تراكمات وظروف إدارية وصفها بأنها تفتقر لأبنى درجات العدالة والمنطق، وأشار البنا بوضوح إلى شعوره بالمرارة تجاه ما يحدث داخل منظومة التحكيم التي شهدت مؤخرًا قرارات غابت عنها الموضوعية وتسببت في تهميش الكفاءات الوطنية لصالح توجهات أخرى لا تعكس القيمة الحقيقية للحكم المصري، وقد لخص البنا موقفه الحازم في عدة نقاط جوهرية دفعت به إلى خارج المشهد التحكيمي وهي:
- غياب المعايير العادلة والمنطقية في توزيع التعيينات والتقييمات داخل اللجنة.
- شعور متزايد بالتهميش وتقليل الشأن الذي يطال الحكام المصريين أصحاب الخبرات.
- الرغبة في الحفاظ على الكرامة المهنية وعدم التواجد في بيئة لا تحترم المبادئ الراسخة.
- احترام التاريخ الطويل الذي صنعه عبر سنوات من الجهد والعرق بعيدًا عن المجاملات.
أكد البنا في سياق حديثه أن اعتزال الحكم الدولي محمود البنا لم يكن هروبًا من المسؤولية أو تخليًا عن دوره في خدمة اللعبة التي أحبها واعتبرها رسالة سامية قبل أن تكون مهنة، ولكنه جاء انتصارًا لمبادئه التي تربى عليها والتي ترفض الخضوع لسياسات لا تقدر الكفاءة حق قدرها، وشدد على أن الصمت في مثل هذه المواقف يكون أبلغ من الحديث وأن الانسحاب بشرف أفضل من الاستمرار في وضع لا يليق بتاريخه، وقد حرص على توجيه كلمات الشكر والامتنان لكل من سانده في رحلته الشاقة من زملاء ومدربين وجماهير واعية قدرت مجهوده طوال السنوات الماضية.
مسيرة حافلة بالأرقام والإنجازات للحكم محمود البنا
يتمتع البنا بسيرة ذاتية مميزة جعلته في مصاف حكام النخبة في القارة السمراء والوطن العربي؛ فهو يبلغ من العمر ثلاثة وأربعين عامًا وينحدر من محافظة كفر الشيخ حيث عمل مأذونًا شرعيًا قبل أن يتفرغ لعالم التحكيم الذي بدأه من الدرجات الدنيا وصعد سلمه بثبات حتى نال الشارة الدولية، وقد تميز أسلوبه بالهدوء والصرامة في آن واحد مما أهله لإدارة مباريات القمة والمواجهات الحساسة التي تتطلب شخصية قيادية قوية داخل الملعب، ويوضح الجدول التالي أبرز المعلومات والبيانات الخاصة بمسيرة هذا الحكم الدولي:
| البيان | التفاصيل |
|---|---|
| العمر ومحل الميلاد | 43 عامًا – محافظة كفر الشيخ |
| المهنة السابقة | مأذون شرعي |
| سنوات الشارة الدولية | 12 عامًا من التمثيل الدولي |
| أبرز المشاركات القارية | دوري أبطال إفريقيا، كأس الكونفدرالية، أمم إفريقيا 2021 |
تضمنت مسيرة البنا إدارة مواجهات نارية ظلت عالقة في أذهان الجماهير؛ فقد أدار نهائي كأس السوبر المصري لعام 2023 الذي جمع بين الأهلي وبيراميدز في دولة الإمارات وخرجت المباراة إلى بر الأمان بفضل خبرته الكبيرة، كما كان له ظهور مميز في بطولة كأس الأمم الإفريقية 2021 بالكاميرون حيث أدار لقاء تونس وموريتانيا الذي انتهى بفوز نسور قرطاج برباعية نظيفة، وعلى الصعيد المحلي أدار هذا الموسم ثماني مباريات كان آخرها لقاء نصف نهائي السوبر المصري بين الأهلي وسيراميكا كليوباترا، وهو اللقاء الذي شهد جدلًا واعتراضات فنية من جانب إدارة سيراميكا، ورغم ذلك يظل اعتزال الحكم الدولي محمود البنا خسارة فنية كبيرة نظرًا لما يمتلكه من رصيد خبرات تراكمي في إدارة الأزمات داخل الملعب.
تداعيات خروج البنا من القائمة الدولية
ارتبط قرار اعتزال الحكم الدولي محمود البنا بشكل وثيق ومباشر بالتغييرات الأخيرة التي طرأت على القائمة الدولية للحكام المصريين؛ فقد شهدت الفترة الماضية تولي الكولومبي أوسكار رويز مسؤولية لجنة الحكام بتكليف من الاتحاد المصري لكرة القدم بهدف تطوير المنظومة، إلا أن اختيارات رويز للقائمة الدولية الجديدة جاءت صادمة للعديد من الحكام الكبار وعلى رأسهم البنا الذي وجد نفسه خارج الحسابات الدولية بشكل مفاجئ، وهذا الاستبعاد كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وفجرت غضب الحكم المخضرم الذي شعر بأن تاريخه الطويل لم يشفع له للبقاء ضمن صفوة الحكام الممثلين لمصر خارجيًا.
أثار خبر اعتزال الحكم الدولي محمود البنا موجة واسعة من الجدل والنقاشات المستمرة في الشارع الرياضي المصري حول مستقبل التحكيم؛ حيث يرى قطاع عريض من المتابعين والخبراء أن خروج قامة تحكيمية بهذا الحجم وبهذه الطريقة يعكس وجود خلل هيكلي في معايير التقييم والاختيار، ويشير البعض إلى أن السياسات الجديدة التي ينتهجها الخبير الأجنبي قد تؤدي إلى تسرب المزيد من الكفاءات إذا لم يتم تدارك الأمر ووضع ضوابط شفافة تضمن العدالة للجميع، وفي المقابل يرى آخرون أن التجديد سنة الحياة وأن الدفع بدماء جديدة قد يكون ضروريًا للمرحلة المقبلة، لكن الطريقة التي تم بها التعامل مع البنا تركت أثرًا سلبيًا لا يمكن تجاهله.
ينهي البنا مسيرته المحلية وهو يحمل في جعبته ذكريات لا تُنسى ومواقف صعبة تجاوزها بحنكة، ورغم قسوة النهاية التي فرضتها الظروف الإدارية المعقدة إلا أنه سيظل اسمًا لامعًا في تاريخ التحكيم المصري الحديث ورمزًا للحكم الذي فضل الانتصار لكرامته عندما شعر باختلال موازين العدالة.
