تحليل الحمض النووي (DNA) لحسم نزاعات النسب.. الآلية العلمية والضوابط الدقيقة على وقع جدل أوغندا

تحليل الحمض النووي (DNA) لحسم نزاعات النسب.. الآلية العلمية والضوابط الدقيقة على وقع جدل أوغندا

تحليل الحمض النووي بات الشغل الشاغل للرأي العام في أوغندا خلال الأسابيع القليلة الماضية بعدما تحول إلى ظاهرة اجتماعية كبرى أثارت قلق الأسر وهزت استقرارها؛ إذ توافد آلاف الرجال بشكل طوعي إلى المختبرات المتخصصة طلبًا لإجراء هذا الفحص الدقيق بغرض التأكد من صحة نسب أبنائهم إليهم، وقد جاءت هذه الموجة مدفوعة بمشاعر الشك المتزايدة أو الرغبة في حسم النزاعات المتعلقة بتقسيم الميراث، وهو ما أسفر عن نتائج صادمة في كثير من الأحيان قلبت موازين الحياة العائلية هناك.

تداعيات طلبات تحليل الحمض النووي في المجتمع الأوغندي

شهدت المختبرات التابعة لوزارة الشؤون الداخلية في أوغندا إقبالًا تاريخيًا وغير مسبوق على طلبات الفحص الجيني سواء كانت بناءً على أوامر قضائية ملزمة أو بمبادرات فردية من المواطنين؛ حيث أكدت وكالة “أسوشيتد برس” في تقاريرها الميدانية أن هذه الظاهرة لم تعد مجرد حالات فردية بل تحولت إلى قضية رأي عام تستدعي التوقف عندها، وتظهر البيانات الرسمية التي تم الكشف عنها مؤخرًا أرقامًا مثيرة للدهشة تستوجب التأمل في عمق الأزمة الاجتماعية التي بدأت تتشكل ملامحها بوضوح في الأفق، ولتوضيح حجم هذه الظاهرة يمكننا النظر إلى الإحصائيات الدقيقة التي رصدتها التقارير الإعلامية والحكومية والتي تبرز التباين الكبير بين التوقعات والنتائج المخبرية.

فئة البيانات المرصودة النسبة المئوية التقريبية
نسبة الرجال من إجمالي طالبي الفحص 95%
نسبة النتائج التي أثبتت عدم تطابق النسب 98%

تشير هذه الأرقام المفزعة بوضوح إلى أن الغالبية العظمى من الرجال الذين أقدموا على إجراء تحليل الحمض النووي اكتشفوا عدم وجود أي صلة بيولوجية تربطهم بالأطفال الذين قاموا بتربيتهم لسنوات طويلة؛ الأمر الذي دفع الزعماء الدينيين والوجهاء التقليديين في البلاد إلى إطلاق نداءات عاجلة للتهدئة وتذكير الناس بضرورة التحلي بقيم التسامح والرحمة حفاظًا على النسيج المجتمعي من التفكك، وتزامنت هذه الدعوات مع انطلاق نقاشات واسعة النطاق حول الجوانب الأخلاقية المتعلقة بفحوصات النسب والحدود الإنسانية التي يجب مراعاتها عند التعامل مع مثل هذه الحقائق العلمية القاطعة التي قد تدمر مستقبل الأطفال النفسي والاجتماعي.

الأسس العلمية والتقنية وراء دقة تحليل الحمض النووي

لم يعد الحديث عن هذا الفحص مقتصرًا على الشق الاجتماعي والدراما العائلية فحسب بل أعاد إلى الواجهة تساؤلات عميقة حول القدرة العلمية الفائقة لهذه التقنية؛ حيث يعتمد تحليل الحمض النووي بشكل أساسي على فك شيفرة الكود الوراثي الفريد الذي يحمله كل كائن بشري داخل خلاياه والذي يعتبر بمثابة بصمة بيولوجية لا يمكن أن تتطابق بين شخصين إلا في حالات التوائم المتطابقة فقط، وتعتبر هذه التقنية اليوم الركيزة الأساسية والعمود الفقري للطب الشرعي الحديث نظرًا لقدرتها الهائلة على حسم القضايا الشائكة بدقة متناهية لا تقبل الشك أو التأويل، وتكمن عظمة هذا العلم في قدرته على قراءة جزيئات مجهرية لا تُرى بالعين المجردة واستخلاص معلومات مصيرية منها تحدد الهوية والنسب والروابط العائلية بوضوح تام.

المراحل المختبرية لعملية تحليل الحمض النووي

تمر رحلة العينة داخل المختبر بعدة مراحل معقدة ودقيقة للغاية لضمان استخراج نتائج موثوقة بنسبة تقارب الكمال؛ فوفقًا لما نشره موقع Endeavor DNA المتخصص تبدأ العملية بجمع العينة التي غالبًا ما تؤخذ عبر مسحة قطنية من بطانة الخد لسهولة الحصول عليها وعدم تسببها في أي ألم للشخص الخاضع للفحص، ولا تقتصر المصادر التي يمكن استخلاص المادة الوراثية منها على مسحة الفم فقط بل تشمل خيارات متعددة يمكن للمختبرات التعامل معها بكفاءة عالية لاستخراج الشريط الوراثي المطلوب ومقارنته.

  • عينات الشعر التي تحتوي على البصيلات.
  • قطرات الدم المجففة أو السائلة.
  • أي سوائل جسدية أخرى تحتوي على خلايا ذات أنوية.

تبدأ المرحلة الفعلية الأولى بعد وصول العينة بفك أغشية الخلايا باستخدام إنزيمات كيميائية متطورة لتحرير الشريط الوراثي الموجود داخل النواة في بيئة معقمة تمامًا لمنع أي تلوث خارجي قد يؤثر على سلامة النتائج؛ تليها مرحلة تضخيم المادة الوراثية باستخدام تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) التي تقوم بمضاعفة كمية الحمض النووي مئات المرات لتمكين العلماء من دراسة التسلسل الجيني بوضوح، وبعد ذلك يتم تمرير العينة عبر جهاز الرحلان الكهربائي الذي يعمل على فصل الجزيئات بناءً على حجمها وشحنتها الكهربائية لإنتاج خريطة جينية فريدة تظهر الأنماط المميزة لكل فرد بوضوح.

تتوج هذه العملية المعقدة بمرحلة المقارنة والمطابقة حيث يقوم الخبراء بمضاهاة الملف الوراثي المستخرج من الأب المفترض مع عينة الطفل للبحث عن التطابق في علامات جينية محددة يتراوح عددها عادة بين 16 و21 علامة؛ فإذا تطابقت نصف هذه العلامات الموجودة لدى الطفل مع تلك الموجودة لدى الأب فإن ذلك يعد دليلًا دامغًا يؤكد وجود علاقة بيولوجية حقيقية بنسبة دقة تتجاوز 99.9%، وهو ما يجعل تحليل الحمض النووي الوسيلة الوحيدة القادرة على إنهاء عقود من الشكوك ومنح الأسر إجابات نهائية وقاطعة مهما كانت قسوتها أو تأثيرها على واقعهم المعيش.