
ارتفاع أسعار الذهب يتصدر المشهد الاقتصادي العالمي مجدداً مع اقتراب المعدن النفيس بخطى ثابتة من كسر أرقامه القياسية التي سجلها في شهر أكتوبر الماضي؛ إذ جرى تداول الأونصة قرب مستويات 4330 دولاراً وسط زخم شرائي قوي مدفوع بمزيج معقد من الاضطرابات الجيوسياسية المتصاعدة في أمريكا اللاتينية وحالة من الترقب الحذر لسياسات البنك المركزي الأمريكي التي ستحدد ملامح الاقتصاد العالمي قريباً.
تأثير التوترات الجيوسياسية على ارتفاع أسعار الذهب
أثبتت المعطيات الحالية في الأسواق أن ارتفاع أسعار الذهب يرتبط بعلاقة طردية قوية مع تصاعد حدة التوترات الدولية؛ حيث أعطى التأزم المفاجئ والخطير في الملف الفنزويلي دفعة قوية للمعدن الأصفر ليعزز مكانته كملاذ آمن لا بديل عنه وقت الأزمات، وجاء هذا التحرك السعري الكبير في أعقاب القرار الحاسم الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض حصار بحري شامل على ناقلات النفط التابعة للنظام الفنزويلي، ومع تلويح الإدارة الأمريكية في واشنطن بخيارات عسكرية مفتوحة للتعامل مع الموقف المتأزم اندفع المستثمرون ومديرو المحافظ الكبرى نحو الذهب للتحوط من المخاطر المحتملة لاندلاع صراع إقليمي قد يمتد تأثيره لأسواق الطاقة العالمية؛ مما جعل المعدن النفيس الخيار الأمثل لحماية رؤوس الأموال من تقلبات الأسواق الناتجة عن طبول الحرب التي تقرع في أمريكا الجنوبية.
بيانات التضخم ومصير ارتفاع أسعار الذهب
تتركز أنظار المستثمرين والمتداولين في البورصات العالمية يوم الخميس صوب صدور بيانات التضخم الأمريكية التي ستكون بمثابة البوصلة الموجهة لقرارات الفيدرالي؛ حيث تلعب هذه الأرقام دوراً حاسماً في تحديد مسار أسعار الفائدة مستقبلاً وبالتالي التأثير المباشر على وتيرة ارتفاع أسعار الذهب وقوة الدولار الأمريكي، وفي سياق متصل بالأحداث المصيرية يترقب الشارع المالي بشغف الإعلان عن هوية الرئيس الجديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي؛ إذ تشير التقارير الواردة من البيت الأبيض إلى أن الرئيس ترمب قد أجرى مقابلة هامة مع المرشح البارز كريس والر، وسط توقعات واسعة النطاق بأن يتم الكشف الرسمي عن القرار مطلع شهر يناير المقبل، وهو ما سيضع الأسواق أمام مرحلة جديدة من السياسة النقدية قد تعيد تشكيل خارطة الاستثمار في المعادن الثمينة لسنوات قادمة.
أرقام قياسية تدعم استمرار ارتفاع أسعار الذهب
شهدت أسواق المعادن النفيسة خلال العام الجاري أداءً استثنائياً يعيد للأذهان حقب الازدهار التاريخية الكبرى؛ حيث يتجه ارتفاع أسعار الذهب لتسجيل أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979 بزيادة مذهلة بلغت نسبتها نحو الثلثين، ولم يقف الأمر عند حدود الذهب فحسب بل امتدت حمى الصعود لتشمل الفضة التي قفزت إلى ذروة تاريخية غير مسبوقة عند مستوى 66.27 دولاراً تقريباً لتؤكد جاذبيتها الاستثمارية، كما سجل البلاتين عودة قوية بتسجيله أعلى مستويات سعرية له منذ عام 2011؛ مما يعكس موجة صعود جماعية للمعادن مدعومة بطلب حقيقي ورغبة في التحوط، ويمكن تلخيص أبرز ملامح هذا الأداء التاريخي في النقاط التالية:
- تحقيق الفضة لقفزات سعرية هائلة تجاوزت بها كافة التوقعات السابقة للمحللين.
- تسجيل المعدن الأصفر لمعدلات نمو سنوية لم يشهدها الاقتصاد العالمي منذ أربعة عقود.
- انضمام البلاتين لقافلة الصعود وتسجيله مستويات قياسية تعكس تعافي الطلب الصناعي والاستثماري.
توقعات عام 2026 ومستقبل ارتفاع أسعار الذهب
يجمع نخبة من الخبراء الماليين ومن بينهم المحللة نيكي شيلز من شركة “إم كي إس بامب” على أن ارتفاع أسعار الذهب لم يبلغ ذروته النهائية بعد؛ إذ تشير التقديرات المستقبلية إلى مسار صعودي بامتياز للمعدن الأصفر خلال الأعوام القادمة، وتوقعت التقارير المتخصصة أن يواصل السعر قفزاته ليصل متوسط سعر الأونصة إلى مستويات غير مسبوقة بحلول عام 2026 مدعوماً باستراتيجية البنوك المركزية العالمية التي تواصل تكديس احتياطيات الذهب كبديل آمن عن العملات الورقية والديون الحكومية التقليدية، ويستفيد الذهب في رحلة صعوده هذه من تلاقي عدة عوامل محفزة تشمل خفض أسعار الفائدة المتوقع واستمرار الاضطرابات العسكرية وضبابية المشهد السياسي في واشنطن، ويوضح الجدول أدناه التوقعات السعرية المستهدفة وفقاً لأحدث الدراسات:
| الإطار الزمني المستهدف | السعر المتوقع للأونصة (دولار) |
|---|---|
| متوسط عام 2026 | 4500 دولار أمريكي |
تؤكد هذه القراءات المعمقة للمشهد الاقتصادي أن **ارتفاع أسعار الذهب** يمثل تحولاً جوهرياً في سلوك المستثمرين الذين باتوا يرون في المعدن النفيس الحصن المنيع ضد تقلبات العصر؛ حيث تتضافر العوامل الجيوسياسية والاقتصادية لتدفع بالأسعار نحو آفاق جديدة تجعل من الذهب الأصل الاستثماري الأكثر موثوقية في ظل عالم يموج بالمتغيرات المتسارعة والتحديات غير المتوقعة.
