أتمتة السجل العقاري في سوريا تنهي حقبة “الورقيات” وتغلق أبواب التلاعب بالملكيات

أتمتة السجل العقاري في سوريا تنهي حقبة “الورقيات” وتغلق أبواب التلاعب بالملكيات

يمثل مشروع أتمتة السجل العقاري في سوريا حجر الزاوية في خطة التحول الرقمي التي تقودها وزارة الإدارة المحلية والبيئة في العاصمة دمشق، حيث عقدت الوزارة اجتماعًا موسعًا لمناقشة الآليات المثلى لأرشفة الوثائق في المصالح العقارية، وتمهيد الطريق نحو نقلة نوعية تهدف إلى التخلي عن السجلات الورقية التقليدية واعتماد الأنظمة الإلكترونية الحديثة، ويأتي هذا الحراك الحكومي في إطار السعي الحثيث لضبط الملكيات العقارية عبر لجنة مركزية متخصصة تتولى مهام الإشراف والمتابعة وتوجيه المديريات في كافة المحافظات لضمان دقة البيانات وحمايتها من التلف أو التلاعب.

آليات تنفيذ أتمتة السجل العقاري في سوريا

تتطلب عملية أتمتة السجل العقاري في سوريا وضع خارطة طريق تقنية دقيقة تضمن الانتقال السلس للبيانات، وهو ما أكده معاون وزير الإدارة المحلية والبيئة للشؤون الإدارية، ظافر العمر، الذي أشار إلى أن الاجتماع أفضى إلى وضع خطة شاملة تسهل عمليات الأرشفة، وقد تم تقسيم العمل التقني إلى مسارين رئيسيين يشملان السجل العقاري والسجل المساحي، ولتوضيح الإطار الزمني والتنظيمي للمشروع الذي يشرف عليه مدير التحول الرقمي أحمد العليوي، يمكن الاطلاع على الجدول التالي الذي يلخص أبرز محددات المرحلة الحالية في دمشق:

عنصر المشروع التفاصيل المعتمدة
مدة التنفيذ المتوقعة تتراوح بين ستة إلى سبعة أشهر
نطاق العمل الحالي مديريات المصالح العقارية في العاصمة دمشق
الأهداف الرئيسية رفع الكفاءة، تقليص التكاليف، تعزيز الشفافية والمساءلة

وفي سياق التفاصيل التقنية الدقيقة التي ذكرها المسؤولون، فإن العمل الفعلي على أتمتة السجل العقاري في سوريا قد انطلق بالفعل وفق منهجية تدريجية مدروسة بعناية، حيث أوضح العمر أن هذه المنهجية تعتمد على ثلاث مراحل أساسية متتابعة تضمن سلامة البيانات قبل اعتمادها نهائيًا، وهذه المراحل هي:

  • المرحلة الأولى: التركيز على أرشفة العقود والصحائف العقارية بشكل دقيق، مع تطبيق نظام ترميز خاص يمهد للربط المستقبلي مع السجل المساحي.
  • المرحلة الثانية: إدخال التقنيات الحديثة عبر استخدام برمجيات أندرويد متطورة، وتفعيل برامج متخصصة لرقمنة العقود، بالإضافة إلى إجراء اختبارات مكثفة للبرمجيات المتاحة للتأكد من فاعليتها.
  • المرحلة الثالثة: إنجاز عملية الربط الكامل للانتقال النهائي من النظام الورقي إلى النظام الإلكتروني، وذلك بالتعاون الوثيق مع نخبة من الخبراء التقنيين والجهات المعنية لضمان نجاح المنظومة.

أهمية أتمتة السجل العقاري في سوريا قانونيًا

يكتسب مشروع أتمتة السجل العقاري في سوريا أهمية قانونية قصوى تتجاوز مجرد التحديث التقني لتصل إلى صلب حماية حقوق المواطنين، حيث أوضح مدير المديرية العامة للمصالح العقارية، عبد الكريم إدريس، أن هذا المشروع يعزز الموثوقية ويحفظ الحقوق، مشيرًا إلى نجاح التجارب الأولية للبرمجيات المصممة وتحديد الأسس التنظيمية لاعتمادها في العمل اليومي، ومن جهة أخرى يرى القانونيون أن هذه الخطوة تشكل طوق نجاة للملكيات العقارية، فقد أكدت المحامية هديل عمر أن التحول الرقمي ركيزة أساسية لتحقيق العدالة والشفافية، حيث يسهم بشكل مباشر في تقليص الأخطاء البشرية التي كانت تحدث سابقًا، ويوفر وقتًا ثمينًا للمواطنين خلال إجراءات تسجيل الملكيات أو نقلها، كما أنه يغلق الباب أمام محاولات التلاعب أو خطر فقدان الوثائق الهامة التي عانى منها الكثيرون.

ويتفق المحامي طارق عميرة مع هذا الطرح، مؤكدًا أن أتمتة السجل العقاري في سوريا ستجعل التحقق من صحة البيانات عملية سهلة وسريعة، مما يمنع التزوير الذي قد يطال السجلات الورقية ويعزز الثقة في السوق العقارية، ويشير عميرة إلى أن تسريع الإجراءات سيخفف الأعباء المالية عن كاهل المواطنين، والأهم من ذلك هو دور الأرشفة الإلكترونية في حفظ حقوق الناس، خاصة أولئك الذين فقدوا وثائق ملكياتهم جراء الحرب التي استمرت 14 عامًا، وتأتي هذه التحركات بالتزامن مع تعميم وزارة العدل الصادر في أيار/مايو 2025 لمكافحة ظاهرة نقل الملكية بالتزوير والاحتيال التي تفاقمت خلال حقبة النظام السابق، حيث طالبت الوزارة المحاكم بضرورة إلزام أطراف الدعاوى بتقديم بيانات عقارية مصدقة تثبت تسلسل الملكية بدقة، وذلك لحماية حقوق الملايين ممن تعرضت ممتلكاتهم للانتهاك أو الاستيلاء غير القانوني أو الضياع بسبب القصف والتهجير.

تحديات ومستقبل أتمتة السجل العقاري في سوريا

على الرغم من التفاؤل الكبير الذي يحيط بمشروع أتمتة السجل العقاري في سوريا، إلا أن الخبراء يدركون حجم التحديات التي قد تواجه التطبيق الكامل لهذا النظام المتطور، وتشمل هذه العقبات الحاجة الماسة لتطوير البنية التحتية التقنية المتهالكة في بعض المناطق، ومعالجة ضعف شبكات الإنترنت، وتوفير المعدات الحديثة اللازمة لتشغيل الأنظمة الإلكترونية، بالإضافة إلى ضرورة تدريب الكوادر البشرية والموظفين على استخدام البرمجيات الجديدة بكفاءة عالية، ولكن في المقابل يرى مختصون أن نجاح هذا المشروع سيمهد الطريق لبيئة استثمارية جاذبة، حيث يتوقع أن يسهم التحول الرقمي في تسريع المعاملات الحكومية وتحسين بيئة الأعمال بشكل عام، مما يشجع رؤوس الأموال على العودة والمساهمة في إعادة الإعمار والتطوير العقاري.

وفي رد على المخاوف المتعلقة بالجاهزية التقنية، أكد رئيس لجنة الاستثمار والتطوير العقاري في غرفة تجارة دمشق، الدكتور محمد مروان أورفلي، أن البيئة التقنية والكوادر المؤهلة متوفرة لإنجاح أتمتة السجل العقاري في سوريا وضبط القطاع بالكامل، مشددًا على أن هذا التحول لم يعد خيارًا ترفيهيًا بل أصبح ضرورة حتمية لحماية الحقوق وبناء ثقة متينة في السوق العقارية، خاصة في ظل المرحلة الجديدة التي تعيشها البلاد بعد سقوط النظام السابق في ديسمبر 2024 وبدء عودة المهجرين، والذين هم بأمس الحاجة لإطار قانوني وتقني يساعدهم على استعادة ممتلكاتهم وإثبات حقوقهم في ظل فقدان الوثائق الرسمية وتضرر جزء كبير من السجلات القديمة.