استخدام الهاتف الذكي في سن 12 عاماً يهدد باضطرابات عقلية تلازم الإنسان مدى الحياة

استخدام الهاتف الذكي في سن 12 عاماً يهدد باضطرابات عقلية تلازم الإنسان مدى الحياة

امتلاك الأطفال لهواتف ذكية في سن مبكرة بات يشكل هاجساً حقيقياً لدى الأوساط الطبية والتربوية على حد سواء؛ حيث كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة بنسلفانيا عن وجود علاقة وثيقة بين حصول الصغار على أجهزتهم الخاصة وبين ظهور سلسلة من المشكلات الصحية والنفسية المعقدة في مراحل لاحقة من حياتهم؛ مما ينذر بآثار دائمة قد تمتد لتطال استقرارهم العقلي وجودة حياتهم كبالغين في المستقبل.

التداعيات النفسية المترتبة على امتلاك الأطفال لهواتف ذكية

نشرت مجلة التنمية البشرية والقدرات المحكمة نتائج هذه الدراسة التي سلطت الضوء على المخاطر الكامنة خلف امتلاك الأطفال لهواتف ذكية قبل بلوغهم سن الثانية عشرة؛ إذ أظهرت البيانات أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً والذين خاضوا هذه التجربة مبكراً كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن مشكلات نفسية حادة؛ وتضمنت هذه المشكلات تزايد الأفكار الانتحارية بشكل مقلق إضافة إلى ظهور نزعات عدوانية واضحة في سلوكياتهم تجاه الآخرين والمحيطين بهم؛ كما رصد الباحثون حالة من الانفصال عن الواقع الفعلي والعيش في عوالم افتراضية تؤثر سلباً على تفاعلهم الاجتماعي الطبيعي.

لم تقتصر الآثار السلبية عند هذا الحد بل امتدت لتشمل جوانب دقيقة في التكوين الشخصي للشباب؛ حيث لوحظ ضعف واضح في التنظيم العاطفي لدى من كان لديهم تاريخ مع امتلاك الأطفال لهواتف ذكية في طفولتهم؛ وهو ما ينعكس على قدرتهم في التعامل مع الأزمات أو إدارة مشاعرهم بطريقة متزنة؛ فضلاً عن انخفاض ملموس في احترام الذات وتقييم النفس؛ وقد حدد الباحثون مجموعة من الأعراض والسلوكيات التي برزت بشكل لافت لدى هذه الفئة والتي يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:

  • الميل المستمر نحو العزلة الشعورية والانفصال عن الواقع الملموس.
  • صعوبات بالغة في ضبط الانفعالات والتحكم في ردود الأفعال العاطفية.
  • تراجع الثقة بالنفس والشعور الدائم بعدم الكفاءة مقارنة بالآخرين.
  • تزايد المؤشرات السلوكية التي تدل على العدوانية وعدم الاستقرار النفسي.

لغة الأرقام وتأثير امتلاك الأطفال لهواتف ذكية صحياً

قدمت الدراسة أدلة إحصائية دقيقة توضح حجم الضرر الناتج عن امتلاك الأطفال لهواتف ذكية عند سن الثانية عشرة مقارنة بأقرانهم الذين لم يحصلوا على هذه الأجهزة في نفس العمر؛ حيث أشارت النتائج إلى ارتفاع احتمالية الإصابة بالاكتئاب بنسبة كبيرة تدعو للقلق؛ كما ارتبط وجود الهاتف في يد الطفل بزيادة معدلات السمنة بشكل ملحوظ نتيجة نمط الحياة الخامل الذي يفرضه الجلوس الطويل أمام الشاشات؛ ولعل أخطر ما كشفته الأرقام هو التأثير المدمر على جودة النوم وانتظامه وهو الأمر الحيوي لنمو الدماغ والجسم في هذه المرحلة العمرية الحرجة؛ ويوضح الجدول التالي تفاصيل النسب المئوية للمخاطر الصحية التي رصدتها الدراسة:

نوع العرض الصحي أو النفسي نسبة الزيادة لدى أصحاب الهواتف الذكية
خطر الإصابة بالاكتئاب 31%
احتمالية الإصابة بالسمنة 40%
معدلات اضطرابات النوم 62%

استندت هذه النتائج القوية إلى تحليل معمق لبيانات أكثر من 10 آلاف طفل شملتهم دراسة طويلة الأمد ركزت على تطور الدماغ البشري؛ وقد امتدت فترة جمع البيانات وتحليلها بين عامي 2016 و2022 بتمويل رسمي من المعهد الوطني للصحة الأمريكية؛ وكشفت التحليلات الديموغرافية أن ظاهرة امتلاك الأطفال لهواتف ذكية كانت أكثر شيوعاً بين الفتيات مقارنة بالفتيان؛ كما لوحظ انتشارها بشكل أكبر في الأسر ذات الدخل المنخفض والعائلات التي تنحدر من خلفيات إفريقية أو لاتينية؛ مما يشير إلى تداخل العوامل الاجتماعية والاقتصادية في تشكيل عادات استخدام التكنولوجيا لدى الأجيال الجديدة.

خصوصية المخاطر في امتلاك الأطفال لهواتف ذكية

أكد الباحثون القائمون على الدراسة نقطة جوهرية مفادها أن الارتباطات السلبية المكتشفة تخص تحديداً امتلاك الأطفال لهواتف ذكية ولا تنسحب بنفس الدرجة على الأجهزة الإلكترونية الأخرى؛ فقد تم احتساب وتيقييم تأثير امتلاك أجهزة مثل الأجهزة اللوحية (التابلت) أو الساعات الذكية ولم تظهر نفس النتائج المقلقة؛ ويرجع ذلك إلى الطبيعة الخاصة للهاتف الذكي الذي يلازم الطفل في كل مكان ويمنحه بوابة مفتوحة على مصراعيها للوصول إلى شبكة الإنترنت؛ وهو ما يضعه أمام محتوى واسع وغير مفلتر قد لا يكون مستعداً نفسياً أو عقلياً للتعامل معه في هذه السن الغضة.

يرى الخبراء أن التحدي الذي يفرضه امتلاك الأطفال لهواتف ذكية يتطلب تعاملاً والدياً حازماً يشبه إلى حد كبير الرقابة المفروضة على النظام الغذائي للطفل؛ إذ إن ترك الحبل على الغارب في استهلاك المحتوى الرقمي يوازي في خطورته السماح بتناول الأطعمة الضارة بلا حساب؛ وتتزامن هذه التحذيرات مع نتائج دراسة أخرى أثبتت جدوى الابتعاد المؤقت عن العالم الرقمي؛ حيث تبين أن التوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع واحد فقط أدى إلى تحسن ملموس في الصحة النفسية لمجموعة من الشباب الذين كانوا يعانون من آثار الإفراط في الاستخدام؛ مما يؤكد أن تقنين التعامل مع التقنية هو المفتاح الأساسي لتجنيب الأبناء مصير الاضطرابات النفسية والجسدية.