
سياسات الردع النووي الأميركي تشكل الركيزة الأساسية التي استند عليها الأمن العالمي لعقود طويلة، حيث يرى هنري سوكولوسكي المدير التنفيذي لمركز تعليم سياسات منع الانتشار ومؤلف كتاب “الصين وروسيا والحرب الباردة القادمة” أن أي تهاون في فهم الترابط بين منع الانتشار والردع ينطوي على مخاطر وجودية، إذ يحذر من الأصوات الأكاديمية والواقعية التي تنادي بالسماح للحلفاء بامتلاك أسلحة نووية كبديل أقل تكلفة، معتبراً أن هذا التوجه يهدد بتقويض الاستقرار الذي ضمنته واشنطن عبر التزامها بحماية الحلفاء واستخدام القوة عند الضرورة.
جدلية تسليح الحلفاء وتأثيرها على سياسات الردع النووي الأميركي
يثير غياب الحديث الصريح عن استراتيجية الردع الموسع في وثائق الأمن القومي قلقاً كبيراً لدى الخبراء، وربما يعكس هذا الإغفال رهاناً متفائلاً من الإدارات المتعاقبة على منظومات الدفاع الصاروخي مثل “القبة الذهبية” لحماية الأراضي الأميركية، ولكن سوكولوسكي يؤكد أن بناء هذه المنظومات يستغرق وقتاً طويلاً ولا يمكنه استبدال الردع التقليدي فوراً، حيث يعتمد أمن الولايات المتحدة وشركائها بشكل جوهري على التهديد باستخدام القوة النووية لردع الخصوم، وهو الأمر الذي قد يزعج أنصار الانعزالية، إلا أن الحقائق تثبت أن هذا الردع الموسع كان العامل الحاسم في منع تحول الحرب الباردة إلى صراع ساخن، كما حال دون تكرار الحروب الشاملة التي انجرفت إليها واشنطن في النصف الأول من القرن العشرين؛ مما يجعل الحفاظ على سياسات الردع النووي الأميركي أمراً لا غنى عنه لضمان السلم الدولي.
يروج البعض لفكرة أن انتشار الأسلحة النووية بين الدول الصغيرة قد يحقق توازن رعب يضمن السلام، لكن التاريخ يدحض هذه الفرضية بقوة، حيث بدأت الحربان العالميتان بسبب مناورات دبلوماسية فاشلة ومحاولات للحصول على ضمانات أمنية هشة في عالم مدجج بالسلاح، ففي عام 1939 حاولت بولندا حماية نفسها عبر اتفاق عدم اعتداء مع هتلر، وهو ما شجعه فعلياً على المضي في خططه، بينما تواطأ ستالين لتقاسم الأراضي البولندية، وقبل ذلك في الحرب العالمية الأولى تسابقت القوى الأوروبية نحو تحالفات سرية لم تمنع الكارثة، وبالتالي فإن الاعتقاد بأن تغيير سياسات الردع النووي الأميركي لصالح تسليح الحلفاء سيجلب الاستقرار هو وهم خطير، إذ يتساءل سوكولوسكي عما إذا كانت هذه المناورات قد حققت السلام سابقاً لتتحقق اليوم عبر نشر المزيد من الذخائر النووية الفتاكة.
التكلفة الاقتصادية والاستراتيجية في ظل سياسات الردع النووي الأميركي
يستند المتحمسون لتقليص الدور الأميركي إلى حجة التوفير المالي، زاعمين أن امتلاك الحلفاء لأسلحتهم النووية يعفي واشنطن من نشر قواتها وإنفاق المليارات، إلا أن الوقائع التاريخية تثبت عكس ذلك تماماً، فبعد تحول دول مثل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وباكستان إلى قوى نووية ارتفع الإنفاق الدفاعي الأميركي بدلاً من أن ينخفض، وعلاوة على ذلك تتطلب سياسات الردع النووي الأميركي الفعالة تحديثات مستمرة لأنظمة القيادة والسيطرة والاستخبارات لضمان المصداقية، ناهيك عن أن القوات النووية الجديدة والصغيرة تكون عرضة للخطر في بداياتها؛ مما يستدعي تدخلاً أميركياً أكبر لحماية التوازنات الإقليمية ومنع الانزلاق نحو الفوضى.
لقد لعب الردع الموسع دوراً محورياً في منع سباق تسلح نووي عالمي، حيث نجحت المظلة الأمنية الأميركية في ثني العديد من الدول الصناعية والمتقدمة عن تطوير ترساناتها الخاصة أو التلاعب بالنظام الدولي، ومن أبرز هذه الدول التي امتنعت عن التسلح النووي بفضل الضمانات الأميركية:
- إيطاليا والسويد وألمانيا في أوروبا.
- اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان في آسيا.
- أستراليا وتركيا في مناطق استراتيجية أخرى.
إن تشجيع هذه الدول الآن على امتلاك السلاح النووي سيقلب المعادلات رأساً على عقب، فإذا حصلت سيول على القنبلة قد يطلب رئيس كوري جنوبي خروج القوات الأميركية، وقد نشهد سيناريوهات مرعبة مثل اتحاد فيدرالي بين كوريتين نوويتين؛ مما يضع **سياسات الردع النووي الأميركي** أمام تحديات غير مسبوقة.
الدروس المستفادة ومستقبل سياسات الردع النووي الأميركي
تتيح لنا الأحداث التاريخية استشراف المخاطر المستقبلية بدقة، ففي أزمة السويس عام 1956 هددت روسيا بالتدخل النووي ضد بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، مما اضطر الرئيس أيزنهاور لإجبار حلفائه على الانسحاب، ولو كانت إسرائيل تملك النووي آنذاك لربما خرجت الأمور عن السيطرة، وفي عام 2003 أدى الشك في وجود برنامج نووي عراقي إلى استدراج الجيش الأميركي للمنطقة لعقد كامل، وكذلك القصف الأخير لمحطات الوقود النووي الإيراني، ويوضح الجدول التالي كيف أن امتلاك أو السعي لامتلاك السلاح النووي لم يحقق الاستقرار بل استدعى تدخلاً خارجياً أكبر:
| الحدث التاريخي / السيناريو | التأثير على الأمن والتدخل الأميركي |
|---|---|
| أزمة السويس 1956 | تهديد روسي وتدخل أميركي قسري لتهدئة الوضع |
| غزو العراق 2003 | تورط عسكري أميركي طويل الأمد بسبب شكوك نووية |
| تسليح الحلفاء مستقبلاً | احتمالية طرد القوات الأميركية وفقدان السيطرة الاستراتيجية |
لتجنب مستقبل أكثر تفجراً ومشابهاً لهذه الأزمات، يحتاج العالم إلى تقليل عدد الدول النووية وليس زيادتها، وهو ما يفرض على واشنطن تعزيز نطاق الضمانات الأمنية وتوسيع **سياسات الردع النووي الأميركي** لتكون أكثر فاعلية وشمولاً.
