تشكل أذون الخزانة والصكوك السيادية أدوات مالية حاسمة تعتمد عليها الحكومة المصرية لتلبية الاحتياجات التمويلية العاجلة وإدارة السيولة في السوق؛ حيث نجح البنك المركزي المصري نيابة عن وزارة المالية في اقتراض ما يقرب من 71 مليار جنيه من خلال بيع أذون خزانة في عطاء الأمس؛ متجاوزاً بذلك المستهدف الأولي المعلن والبالغ 65 مليار جنيه بنسبة زيادة تقارب 9%؛ مما يعكس استمرار إقبال المؤسسات المالية على الاستثمار في أدوات الدين الحكومي قصيرة الأجل لآجال ثلاثة وتسعة أشهر.
ووفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي والتي تناولتها وسائل الإعلام المحلية؛ فقد شهدت العوائد على أذون الخزانة والصكوك السيادية تبايناً ملحوظاً في العطاءات الأخيرة؛ إذ ارتفع متوسط العائد على الأذون لأجل 3 أشهر (91 يوماً) ارتفاعاً طفيفاً ليصل إلى مستوى 26.48% مقارنة بنحو 26.43% في العطاء السابق؛ بينما حافظت الأذون لأجل 9 أشهر (273 يوماً) على استقرارها عند مستوى 26.04% دون تغيير يذكر؛ وهو ما يوضح استراتيجية المستثمرين في ترقب اتجاهات الفائدة المستقبلية وتفضيلهم للعوائد المرتفعة والمضمونة التي توفرها هذه الأدوات في ظل المتغيرات الاقتصادية الحالية.
مؤشرات العائد على أذون الخزانة والصكوك السيادية
يواصل البنك المركزي دوره المحوري كوكيل مالي للحكومة في إدارة ملف الدين المحلي من خلال تنظيم العطاءات الدورية؛ حيث يقوم بطرح أذون الخزانة بالعملة المحلية مرتين أسبوعياً لضبط مستويات السيولة لدى القطاع المصرفي وتمويل عجز الموازنة العامة؛ ولا يقتصر الأمر على الأذون فقط بل يمتد ليشمل إدارة ملف أذون الخزانة والصكوك السيادية معاً لضمان تنوع مصادر التمويل؛ وتوضح البيانات التالية حركة العوائد الأخيرة على الأذون المطروحة في السوق الأولي:
| أجل الأذون | متوسط العائد الحالي | متوسط العائد السابق |
|---|---|---|
| 3 أشهر (91 يوماً) | 26.48% | 26.43% |
| 9 أشهر (273 يوماً) | 26.04% | 26.04% |
وفي سياق متصل بخطة وزارة المالية لتنويع الأدوات المالية؛ يطرح البنك المركزي اليوم الإثنين الإصدار الثالث من الصكوك السيادية لأجل 3 سنوات بقيمة تصل إلى 4 مليارات جنيه؛ ويأتي هذا الطرح كجزء من خطة طموحة تستهدف بيع صكوك بقيمة 14 مليار جنيه خلال شهر ديسمبر الجاري عبر ثلاثة عطاءات مجدولة؛ وتأتي هذه الخطوات بعد النجاح الذي تحقق في شهر نوفمبر الماضي ببيع 6 مليارات جنيه؛ ليصل بذلك إجمالي مبيعات أذون الخزانة والصكوك السيادية والصكوك تحديداً خلال الشهرين الأخيرين إلى مستويات قياسية تلامس 20 مليار جنيه لدعم الموارد المالية للدولة.
استراتيجية التوسع في أذون الخزانة والصكوك السيادية
شهدت الطروحات السابقة إقبالاً كبيراً من المستثمرين يعكس الثقة في الأدوات المالية الإسلامية؛ حيث باع البنك المركزي قبل نهاية نوفمبر صكوكاً سيادية بقيمة 10 مليارات جنيه بعائد ثابت؛ وهو رقم يتجاوز المستهدف الأولي البالغ 3 مليارات جنيه بأكثر من ثلاثة أضعاف؛ وقد تلقت الوزارة طلبات شراء ضخمة تخطت حاجز 33.3 مليار جنيه؛ مما يؤكد وجود سيولة كبيرة تبحث عن أوعية استخارية آمنة ومتوافقة مع الشريعة؛ وهو ما يدفع الحكومة لتعزيز الاعتماد على مزيج من أذون الخزانة والصكوك السيادية لتغطية الفجوات التمويلية وجذب شرائح جديدة من المستثمرين المحليين والدوليين.
وتكتسب الصكوك السيادية أهميتها من كونها أدوات مالية تمثل حصصاً شائعة في حقوق منفعة أصول مملوكة للدولة ملكية خاصة؛ وتستخدم حصيلتها بشكل مباشر في تمويل المشروعات التنموية والموازنة العامة؛ وتجذب هذه الأدوات عادة البنوك المحلية وصناديق الاستثمار السيادية والمؤسسات المالية العالمية التي تفضل الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية؛ بينما تظل أذون الخزانة الأداة التقليدية الأسرع لتوفير السيولة قصيرة الأجل؛ مما يجعل الجمع بين أذون الخزانة والصكوك السيادية خياراً استراتيجياً لوزارة المالية لضمان استقرار التدفقات النقدية.
انعكاسات طرح أذون الخزانة والصكوك السيادية على السوق
تلعب البنوك المحلية، وخاصة الحكومية منها، دور اللاعب الرئيسي في سوق الدين المحلي؛ حيث تستحوذ على الحصة الأكبر من مشتريات الأذون والسندات باعتبارها ملاذاً آمناً ومضموناً من وزارة المالية ومصدراً رئيسياً للأرباح في ظل ارتفاع أسعار الفائدة؛ ويعزو المحللون الارتفاع الملحوظ في العوائد الحالية التي تتخطى 26% إلى عدة عوامل اقتصادية ونقدية متشابكة تهدف في مجملها إلى الحفاظ على جاذبية العملة المحلية وكبح جماح التضخم من خلال امتصاص السيولة الفائضة من الأسواق.
وتسعى الحكومة من خلال تكثيف إصدارات أذون الخزانة والصكوك السيادية إلى تحقيق عدة أهداف اقتصادية جوهرية تتجاوز مجرد سد العجز المالي؛ وتتمثل هذه الأهداف في النقاط التالية التي ترسم ملامح السياسة المالية الحالية:
- امتصاص فائض السيولة النقدية الموجودة لدى البنوك لتقليل الضغوط التضخمية في السوق.
- توفير تمويل مستقر للموازنة العامة لمواجهة التزامات السداد قصيرة ومتوسطة الأجل.
- تنويع قاعدة المستثمرين بجذب المهتمين بالأدوات الإسلامية بجانب المستثمرين التقليديين.
- وضع مؤشر سعري واضح لاتجاهات أسعار الفائدة والعائد الخالي من المخاطر في الاقتصاد.
وتشير التوقعات إلى استمرار وتيرة الطروحات الحكومية وزيادة الاعتماد على أدوات الدين المتنوعة خلال الفترة المقبلة؛ حيث يمثل التوسع في إصدار أذون الخزانة والصكوك السيادية حجر الزاوية في خطة الدولة لتمويل الإنفاق العام وضمان الاستقرار المالي والنقدي بالتوازي مع مستهدفات السياسة النقدية للبنك المركزي.
