تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف بات المحرك الرئيسي لقرارات جيل جديد من الشباب الذين يبحثون عن الاستقرار المهني بعيدًا عن تهديدات الأتمتة والتقنيات الحديثة، إذ يبرز هذا التوجه بوضوح من خلال قصص واقعية لأشخاص قرروا استبدال المكاتب المكيفة بالورش الميدانية لضمان مستقبلهم في ظل المتغيرات التقنية المتسارعة التي تعصف بسوق العمل العالمي وتفرض معادلات جديدة يصعب تجاهلها أو التغاضي عن تداعياتها المستقبلية على أرزاق الملايين.
مواجهة تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف عبر المهارات اليدوية
تمثل قصة الشابة ياروشينكو البالغة من العمر ثمانية عشر عامًا نموذجًا حيًا للتحولات الجذرية في تفكير الشباب، حيث اختارت هذه الفتاة القادمة من أوكرانيا والتي تدرس حاليًا في كلية “سيتي أوف وستمنستر” في لندن أن تسلك طريقًا مغايرًا عبر تعلم مهنة السباكة التي تعتمد كليًا على المهارة اليدوية الدقيقة، مبررة خيارها بقناعة راسخة مفادها أن هذا المجال لن يسيطر عليه الذكاء الاصطناعي مهما تطورت قدراته، وتأتي هذه الرؤية في وقت تعد فيه الوظائف الإدارية والمكتبية الروتينية أكثر عرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي مقارنة بالحرف اليدوية التي تتطلب لمسة بشرية فريدة، وترى ياروشينكو أن التقنيات الحديثة تظل مجرد أداة مفيدة لكنها تقف عاجزة تمامًا عن تولي المهام اليدوية المعقدة لمهنة مثل السباكة التي ينفر منها الكثيرون بسبب الجهد البدني الشاق الذي تتطلبه، ناهيك عن النظرة الاجتماعية السائدة تجاه حرف تقليدية كالنجارة وأعمال الكهرباء واللحام، مؤكدة أنه وبرغم استخدامنا المؤكد للتقنيات الذكية إلا أن الإنسان وحده هو القادر على إنجاز تلك المهام الفريدة التي يعجز عنها الذكاء الاصطناعي، فهو لا يمكنه القيام بأعمال السباكة الدقيقة ولا بالهندسة الحقيقية على أرض الواقع ولا يمكنه أن يحل محل الفني الكهربائي المحترف.
مخاوف الخبراء وأرباب العمل من تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف
تتزايد المؤشرات الرقمية والإحصائية التي تدعم وجهة النظر القائلة بأن الوظائف التقليدية في خطر، ففي بريطانيا أظهر استطلاع هام أجراه معهد “تشارترد” للموظفين والتنمية الشهر الماضي، وهو هيئة مرموقة متخصصة في الموارد البشرية، نتائج مثيرة للقلق تكشف أن واحدًا من كل ستة أرباب عمل يتوقع أن يؤدي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي إلى تقليص أعداد الموظفين بشكل فعلي خلال السنة المقبلة، وهذا التوجه لا يقتصر على أصحاب العمل فحسب بل يمتد ليشمل القوى العاملة نفسها، حيث كشف استطلاع آخر أجراه اتحاد نقابات العمال في شهر أغسطس وشمل عينة واسعة قوامها 2600 شخص أن نصف البالغين في بريطانيا يشعرون بقلق حقيقي من تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف ومستقبلهم المهني، وقد بدت الفئة العمرية الشابة تحديدًا من هم بين 25 و35 عامًا أكثر قلقًا وتوترًا من غيرهم، وفيما يلي نستعرض أبرز البيانات المتعلقة بهذه المخاوف وتوقعات السوق:
| الجهة المصدرة للبيانات | أبرز النتائج والتوقعات |
|---|---|
| معهد تشارترد للموظفين والتنمية | توقع 1 من كل 6 أرباب عمل تقليص عدد الموظفين بسبب الذكاء الاصطناعي خلال العام القادم |
| اتحاد نقابات العمال (أغسطس) | 50% من البالغين في بريطانيا قلقون من تأثير التكنولوجيا على وظائفهم |
انعكاس تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف ومسارات التعليم
لم يقف تأثير هذه المخاوف عند حدود التوقعات النفسية بل امتد ليغير الخارطة التعليمية، حيث شهدت كلية “سيتي أوف وستمنستر” التابعة لمجموعة الكليات المتحدة والمتخصصة في التعليم والتدريب الإضافي زيادة ملحوظة بنسبة 9.6% في معدلات التسجيل بدورات الهندسة والبناء والبيئة العمرانية خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد أرجع الرئيس التنفيذي للكلية ستيفن ديفيس هذه القفزة النوعية إلى عاملين رئيسيين يدفعان الطلاب بعيدًا عن المسارات الأكاديمية التقليدية، وهما نمو تقنيات الذكاء الاصطناعي المتسارع الذي يهدد الوظائف المكتبية، إضافة إلى قلق الطلاب المتزايد من الديون الثقيلة المرتبطة بالدراسة الجامعية والتي قد تصل إلى آلاف الجنيهات الإسترلينية مما دفع البعض لتجنب الجامعات، ويمكن تلخيص دوافع هذا التحول في النقاط التالية:
- الخوف المتنامي من سيطرة الأتمتة على الوظائف الروتينية والمكتبية
- الرغبة في تجنب الديون الجامعية الباهظة والبحث عن دخل أسرع عبر الحرف
وفي سياق متصل بتشخيص الحالة الراهنة لسوق العمل، يؤكد بوكي كلاين تيسلينك المحاضر والباحث المتخصص في الذكاء الاصطناعي في كلية “كينغز” بلندن وجود حالة واضحة من القلق بين الشبان بشأن تحول الوظائف أكثر نحو التشغيل الآلي، حيث أظهرت دراسة أجراها تيسلينك ونُشرت نتائجها في شهر أكتوبر أن التخفيضات في القوى العاملة المدفوعة بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي تؤثر بشكل غير متناسب ومجحف على وظائف المبتدئين تحديدًا، مما يجعل من الصعب للغاية على الشبان إيجاد موطئ قدم أولي في مسيرتهم المهنية وبناء مستقبل مستقر في ظل هذه التحديات التقنية والاقتصادية المتشابكة التي تعيد تشكيل مفهوم العمل والوظيفة.
