حكم الزواج العرفي بدون شهود يعد من القضايا الفقهية والاجتماعية بالغة الأهمية التي تشغل حيزًا كبيرًا من اهتمام المجتمع نظرًا لما يترتب عليها من آثار خطيرة تمس الأسرة والأنساب، وقد تصدت دار الإفتاء المصرية لتوضيح هذا الأمر بشكل حاسم لمنع اللبس وحفظ الحقوق وصيانة الأعراض من الشبهات التي قد تلاحقها نتيجة غياب الإشهار، حيث بينت الدار الرأي الشرعي القاطع في هذا النوع من الارتباط السري الذي يكتفي فيه الطرفان بالإيجاب والقبول فقط.
أبعاد السؤال الوارد حول حكم الزواج العرفي بدون شهود
تلقى علماء دار الإفتاء المصرية سؤالًا جوهريًا يكشف عن واقعة محددة تتعلق بمدى صحة عقد قران تم في الخفاء، حيث دارت تفاصيل الواقعة حول رجل عقد زواجه على امرأة بطريقة عرفية واقتصر الأمر بينهما على تبادل صيغتي الإيجاب والقبول دون وجود أي شهود على هذا العقد، ولم يتوقف الأمر عند غياب الشهود بل امتد ليشمل الاتفاق المسبق بين الطرفين على كتمان هذا الزواج وعدم إخبار أي شخص به، وكان الدافع الرئيسي وراء هذا التكتم الشديد هو الخوف من وصول الخبر إلى أهالي الطرفين أو معرفة أحد أفراد العائلتين بهذه الزيجة، وقد أكد السائل في مضمون سؤاله أن هذا الزواج قد تبعه دخول بالمرأة، مما استدعى البحث عن حكم الزواج العرفي بدون شهود وهل يصح هذا العقد شرعًا أم يقع تحت طائلة البطلان، وهل يترتب عليه آثار الزواج الصحيح أم أنه يعد علاقة محرمة يجب إنهاؤها فورًا لتصحيح المسار وفقًا للمقتضيات الشرعية.
المقاصد الشرعية ومخالفات حكم الزواج العرفي بدون شهود
أوضحت الفتوى الصادرة أن اكتفاء الرجل والمرأة في زواجهما بصيغ الإيجاب والقبول فقط مع الحرص على تغييب الشهود وكتمان الخبر ينافي تمامًا المقصد الأسمى للنكاح في الإسلام، فالزواج شرع لتحقيق السكن والرحمة والمودة بين الزوجين وهي غايات لا تتحقق في ظل الخوف والكتمان، وقد بينت الدار أن حكم الزواج العرفي بدون شهود يستند إلى أن هذا التصرف يعرض الطرفين للريبة والشك في دينهم وأعراضهم، فالنصوص الشرعية تحث بشكل واضح على ضرورة الإشهاد على النكاح وإعلانه بين الناس وإظهاره للفرح والسرور وليس إخفاؤه كأنه جريمة، وإن مخالفة هذا الهدي النبوي تجعل من العلاقة الزوجية مثارًا للشبهة ومحلًا لتوجيه التهم التي تمس العرض والشرف، وعلاوة على ذلك فإن هذا النوع من الزواج السري يفتح أبوابًا واسعة للشرور الاجتماعية والقانونية التي حذر منها الشرع الحنيف حفاظًا على تماسك المجتمع وسلامة أنسابه من الضياع والاختلاط، وتتمثل أبرز المخاطر المترتبة على هذا الزواج فيما يلي:
- تعريض الزوجين للريبة في الدين بسبب مخالفة النصوص الصريحة التي تأمر بإشهار النكاح وإعلانه.
- وضع الأعراض في دائرة الشك وجعلها مادة خصبة للخوض فيها بالباطل لعدم صونها بالإشهاد العلني.
- إهدار الحقوق الزوجية المتبادلة وضياع حقوق المرأة تحديدًا لعدم وجود ما يثبت الزواج رسميًا أو عرفيًا بشهود.
- تعريض الأنساب لخطر الجحود والنكران مما يهدد مستقبل الأبناء ويحرمهم من حقوقهم الشرعية في النسب والميراث.
- فتح المجال واسعًا أمام ضعاف النفوس للتلاعب والاحتيال وإنكار الزيجات بعد قضاء الوطر منها.
الفتوى القاطعة في حكم الزواج العرفي بدون شهود
خلصت دار الإفتاء المصرية في إجابتها المفصلة إلى أن الزواج الذي يفتقد للشهود والإشهار ويقوم على الكتمان هو زواج باطل اتفاقًا، ويطلق عليه الفقهاء “نكاح السر”، حيث أكدت الدار أن حكم الزواج العرفي بدون شهود هو التحريم وعدم الصحة شرعًا، وذلك لما يتضمنه من مفاسد عظيمة تمس جوهر العلاقة الزوجية وتهدد استقرار المجتمع، فعدم وجود الشهود مع نية الكتمان يحول العلاقة من زواج شرعي مكرم إلى علاقة مشبوهة لا يقرها الدين، وقد لخصت الفتوى الفوارق الجوهرية والمآلات الخطيرة لهذا النوع من الزواج مقارنة بالمقاصد الشرعية المطلوبة، ويمكن توضيح هذه المفارقات التي استند إليها الحكم الشرعي من خلال الجدول التالي الذي يبين بوضوح لماذا حكمت الشريعة ببطلان هذا العقد:
| وجه المقارنة في الفتوى | التوصيف الشرعي والواقعي |
|---|---|
| حالة العقد | يُصنف ضمن نكاح السر الذي حكم الشرع ببطلانه اتفاقًا لافتقاده شرط الإشهاد والإعلان |
| الأثر الاجتماعي | ينافي السكن والمودة ويجعل العلاقة مصدرًا للقلق والخوف والريبة بدلًا من الطمأنينة |
| الأثر القانوني والحقوقي | باب واسع للاحتيال وإنكار الزيجة وضياع حقوق الزوجة والأبناء في النسب والرعاية |
بناءً على ما سبق من حيثيات وأدلة شرعية دامغة، فإن حكم الزواج العرفي بدون شهود كما أقرته دار الإفتاء المصرية هو البطلان والتحريم القاطع، وبالتالي فإن الواجب الشرعي المحتم على الرجل والمرأة في هذه الحالة هو الافتراق فورًا، ولا يجوز لهما الاستمرار في هذه العلاقة تحت أي مبرر، لأن ما بني على باطل فهو باطل، ويجب عليهما التوبة إلى الله وتصحيح أوضاعهما بما يوافق الشرع الشريف الذي جاء لصيانة الأعراض وحفظ الأنساب من كل شائبة.
