أسباب الشعور بالبرد الدائم تتصدر قائمة التساؤلات الصحية لدى فئة كبيرة من الأشخاص الذين يعانون من قشعريرة مستمرة حتى في الأجواء التي يراها الآخرون معتدلة، فهذه الحالة ليست مجرد إحساس عابر بل قد تكون مؤشرًا حيويًا على وجود اختلافات فسيولوجية عميقة أو عادات يومية تؤثر بشكل مباشر على آلية تنظيم الجسم للحرارة الداخلية، مما يجعل البحث عن الدوافع الخفية وراء هذه البرودة المستمرة خطوة أولى ضرورية نحو استعادة الدفء والتوازن الجسدي المفقود عبر فهم لغة الجسد واحتياجاته.
علاقة فقر الدم وضعف الدورة الدموية مع أسباب الشعور بالبرد الدائم
يعتبر الدم هو الناقل الأساسي للحرارة في جسم الإنسان، لذا فإن أي خلل في مكوناته أو طريقة تدفقه يعد من أبرز أسباب الشعور بالبرد الدائم التي يجب الانتباه إليها، حيث يلعب عنصر الحديد دورًا محوريًا في بناء خلايا الدم الحمراء السليمة المسؤولة عن نقل الأكسجين بكفاءة إلى كافة أنسجة وخلايا الجسم، وفي حال انخفاض مخزون الحديد أو الإصابة بفقر الدم تتراجع كفاءة الدورة الدموية بشكل ملحوظ مما يجعل الجسم عاجزًا عن توليد الطاقة الحرارية اللازمة للتدفئة، وتظهر نتيجة لذلك أعراض واضحة مثل برودة اليدين والقدمين المصحوبة بشحوب الجلد والإرهاق العام؛ لأن الجسم في هذه الحالة يلجأ لآلية دفاعية ذكية تعطي الأولوية لتدفق الدم نحو الأعضاء الحيوية الداخلية كالقلب والدماغ على حساب الأطراف.
لا يقتصر الأمر على نقص الحديد فحسب، بل إن صحة الأوعية الدموية وضغط الدم يلعبان دورًا موازيًا في تفاقم هذه الحالة، حيث تضمن الدورة الدموية النشطة وصول الدم الدافئ المحمل بالأكسجين إلى أبعد نقطة في الجسم، ولكن عند حدوث مشكلات مثل تضيق الشرايين أو انخفاض ضغط الدم المزمن، يفشل الدم في الوصول للأطراف بالكمية الكافية، وقد يتطور الأمر إلى حالات مرضية مثل “ظاهرة رينود” التي يحدث فيها تشنج للأوعية الدموية، مما يجعل الشخص يشعر ببرودة شديدة قد تكون موضعية في الأطراف أو شاملة للجسم كله، وهذه الاضطرابات الوعائية توضح لماذا تختلف استجابة الأجسام للحرارة وتؤكد أهمية الفحص الطبي للتأكد من سلامة القلب والشرايين كجزء من رحلة البحث عن الدفء.
تأثير الغدة الدرقية والتمثيل الغذائي في أسباب الشعور بالبرد الدائم
عند البحث في العمق عن أسباب الشعور بالبرد الدائم، لا يمكن تجاهل دور الغدة الدرقية التي تعمل بمثابة منظم الحرارة البيولوجي أو “الترموستات” داخل جسم الإنسان، فهذه الغدة الصغيرة الموجودة في الرقبة تفرز هرمونات حيوية مسؤولة عن تنظيم عملية الأيض وحرق الطاقة، وفي حالة قصور نشاط الغدة الدرقية يتباطأ هذا “المحرك الحراري” الداخلي بشكل كبير، مما يؤدي إلى عجز الجسم عن إنتاج الحرارة الكافية للحفاظ على درجة حرارته الطبيعية حتى في الأجواء الدافئة، وعادة ما يترافق هذا الشعور بالبرودة مع أعراض أخرى مميزة مثل جفاف الجلد، الخمول الشديد، وزيادة الوزن غير المبررة نتيجة بطء الحرق، وهي علامات تستدعي إجراء تحاليل طبية دقيقة لضبط مستويات الهرمونات.
تتداخل المشاكل الأيضية الأخرى مع قصور الغدة الدرقية لتشكل جبهة موحدة تزيد من حساسية الجسم للبرودة، حيث يمكن لارتفاع نسبة الكوليسترول أو الاضطرابات الهرمونية المرتبطة بالتقدم في العمر أن تعيق تدفق الدم وتضعف إنتاج الطاقة، كما أن اتباع أنظمة غذائية قاسية تعتمد على سعرات حرارية منخفضة للغاية أو فقدان الوزن المفاجئ يؤديان إلى إبطاء عملية التمثيل الغذائي كاستجابة تكيفية من الجسم للحفاظ على الطاقة، والجدول التالي يوضح الفروقات بين تأثيرات الغدة الدرقية ومشاكل التمثيل الغذائي الأخرى:
| الحالة الصحية | آلية التأثير على حرارة الجسم |
|---|---|
| قصور الغدة الدرقية | تباطؤ عملية الأيض وفشل “المحرك الداخلي” في توليد الحرارة اللازمة. |
| انخفاض ضغط الدم | عدم وصول كميات كافية من الدم الدافئ إلى الأطراف والجلد. |
| اضطرابات التمثيل الغذائي | تراجع قدرة الجسم على تحويل الغذاء إلى طاقة حرارية بفعالية. |
دور بنية الجسم ونقص الفيتامينات في توضيح أسباب الشعور بالبرد الدائم
تلعب البنية الجسدية والتكوين العضلي والدهني دورًا حاسمًا لا يقل أهمية عن الأسباب المرضية في تفسير أسباب الشعور بالبرد الدائم لدى البعض، حيث تعمل الدهون الموجودة تحت الجلد كطبقة عازلة طبيعية تحبس الحرارة وتحمي الأعضاء الداخلية من برودة الجو الخارجي، ولذلك نجد أن الأشخاص الذين يتمتعون ببنية نحيفة جدًا أو نسبة دهون منخفضة يفتقدون لهذا الدرع الواقي، مما يجعلهم يفقدون حرارة أجسامهم بسرعة كبيرة وتصبح أجسادهم أكثر تأثرًا بتغيرات الطقس، وبالإضافة إلى الدهون فإن الكتلة العضلية تعد مصدرًا رئيسيًا لتوليد الحرارة من خلال الحركة والنشاط البدني، ومع انخفاض حجم العضلات أو قلة الحركة يفتقر الجسم للمولدات الحرارية الطبيعية التي تساعده على مقاومة البرد.
من ناحية أخرى، تلعب التغذية السليمة وتوازن الفيتامينات دورًا دقيقًا ومعقدًا في هذه المنظومة الحرارية، حيث يؤدي نقص فيتامين ب12 وغيره من العناصر الغذائية الأساسية إلى خلل في وظائف الأعصاب وإنتاج خلايا الدم، وهو ما قد يفسر شعور البعض بالبرد رغم عدم وجود مشاكل واضحة في الغدة الدرقية أو القلب، إذ يتسبب نقص هذا الفيتامين أو حمض الفوليك في ضعف وصول الإشارات العصبية وتراجع كفاءة الدم في النقل الحراري، ولضمان قدرة الجسم على التدفئة الذاتية يجب التركيز على سد الفجوات الغذائية من خلال تناول العناصر التالية بانتظام:
- الحديد المتوفر في اللحوم الحمراء والخضروات الورقية لتعزيز قوة الدم.
- فيتامين ب12 الموجود في المنتجات الحيوانية لدعم صحة الأعصاب والطاقة.
- الدهون الصحية والبروتينات لبناء العضلات والحفاظ على طبقة العزل الطبيعية.
التعامل مع برودة الجسم المستمرة يتطلب نظرة شمولية تبدأ من مراجعة النظام الغذائي ونمط الحياة وصولًا إلى استشارة الطبيب لإجراء الفحوصات اللازمة، فغالبًا ما يكون الحل متاحًا عبر تعديلات بسيطة أو مكملات غذائية موجهة تعيد للجسم قدرته الطبيعية على التدفئة، لتصبح أسباب الشعور بالبرد الدائم مجرد ذكرى عابرة وليست نمط حياة مستمر.
