نزاع اليورانيوم في النيجر يتصدر المشهد الاقتصادي والسياسي في منطقة الساحل الأفريقي بعد التصريحات الحاسمة التي أدلى بها الجنرال عبد الرحمن تشياني، حيث أكد رئيس المجلس العسكري في خطاب نقله التلفزيون الرسمي “تيلي ساحل” أن لبلاده الحق الكامل والمشروع في إدارة ثرواتها الطبيعية باستقلالية تامة، مشيرًا بوضوح إلى أن عمليات البيع والتصرف في هذه الموارد ستخضع من الآن فصاعداً لقواعد السوق المفتوحة ولمن يرغب في الشراء دون قيود مسبقة أو احتكار تاريخي.
يؤسس هذا التوجه الجديد لمرحلة مفصلية في تاريخ البلاد الاقتصادي ويعيد صياغة العلاقات الدولية لنيامي، إذ لم تعد السلطات الحالية تقبل باستمرار الوضع القائم الذي كان يمنح أطرافاً خارجية نفوذاً واسعاً على المقدرات الوطنية؛ بل تسعى لتطبيق مفهوم السيادة الوطنية بمفهومها الشامل الذي يضمن حق الدولة في تنويع شركائها التجاريين والبحث عن أفضل العروض التي تخدم مصلحة الشعب النيجري، وهذا التحول الجذري في السياسة التعدينية يأتي ليفك الارتباط التقليدي الذي استمر لعقود ويفتح الباب أمام قوى عالمية جديدة للدخول في هذا السوق الواعد الذي يتمتع بإمكانات هائلة لم تُستغل بالشكل الأمثل لصالح التنمية المحلية حتى الآن.
أبعاد وتطورات نزاع اليورانيوم في النيجر مع فرنسا
يشكل المعدن المشع العصب الحيوي للاقتصاد المحلي ومحوراً أساسياً في نزاع اليورانيوم في النيجر الذي تصاعدت حدته بشكل دراماتيكي منذ استيلاء الجيش على السلطة إثر انقلاب عام 2023، حيث بدأت القيادة الجديدة مساراً متسارعاً لاستعادة السيطرة الكاملة والفعلية على المناجم التي كانت تخضع لإدارة شبه حصرية من قبل الشركات الأجنبية؛ وتحديداً شركة “أورانو” العملاقة التي تمتلك الحكومة الفرنسية حصة الأسد فيها بنسبة تصل إلى 90%، وهو ما جعل باريس تتحكم لسنوات طويلة في مفاصل هذا القطاع الاستراتيجي وتدير عمليات الاستخراج والتسدير وفقاً لمصالحها الخاصة التي تتعارض اليوم مع الرؤية السيادية للمجلس العسكري.
تتجه الأنظار حالياً إلى كيفية إدارة هذا الملف الشائك الذي تحول إلى معركة كسر عظم دبلوماسية واقتصادية، إذ تصر النيجر على إنهاء حقبة الهيمنة الفرنسية واستبدالها بشراكات قائمة على الندية والاحترام المتبادل للسيادة الوطنية؛ في حين تجد فرنسا نفسها مهددة بفقدان أحد أهم مصادرها للطاقة النووية الرخيصة والموثوقة، وهذا التجاذب الحاد حول نزاع اليورانيوم في النيجر يعكس رغبة نيامي الجامحة في تحرير قرارها الاقتصادي من التبعية الاستعمارية السابقة وإعادة صياغة عقود الاستغلال بما يضمن عوائد مالية عادلة تدعم ميزانية الدولة المنهكة وتساهم في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
قرارات إلغاء التراخيص وتعميق نزاع اليورانيوم في النيجر
لم تكتفِ السلطات في نيامي بالتصريحات السياسية بل انتقلت إلى اتخاذ إجراءات عقابية ملموسة على الأرض، ففي خطوة تصعيدية لافتة خلال عام 2024 قررت الحكومة إلغاء الامتيازات التاريخية التي كانت تتمتع بها شركة “أورانو” في تشغيل ثلاثة من أكبر وأهم المواقع التعدينية في البلاد؛ وهي خطوة تهدف إلى سحب البساط من تحت أقدام الشركة الفرنسية وفتح المجال أمام استثمارات جديدة أكثر جدوى، وتشمل هذه المواقع الحيوية التي تضم احتياطيات استراتيجية ضخمة من المادة الخام الأسماء التالية:
- منجم “سومير” الذي يُعد من الركائز التاريخية لإنتاج الطاقة في المنطقة ويمتلك بنية تحتية ضخمة.
- منجم “كوميناك” الذي يمثل ثقلاً اقتصادياً كبيراً نظراً لجودة الخامات المستخرجة منه عبر عقود.
- منجم “إيمورارين” الذي يحتوي على مخزونات هائلة وكان يُعول عليه ليكون أحد أكبر المناجم في العالم مستقبلاً.
أثار هذا القرار السيادي حفيظة الجانب الفرنسي الذي سارع للبحث عن مخارج قانونية للأزمة، حيث تسعى باريس عبر آليات التحكيم الدولي إلى استعادة السيطرة التشغيلية على تلك المناجم والحفاظ على عقودها السابقة؛ معتبرة أن إلغاء التراخيص يمثل خرقاً للاتفاقيات الموقعة، إلا أن إصرار المجلس العسكري على موقفه يعكس ثقة كبيرة في القدرة على إدارة نزاع اليورانيوم في النيجر لصالحهم، خاصة مع توفر بدائل دولية جاهزة لتقديم الدعم الفني واللوجستي اللازم لاستمرار عمليات الإنتاج دون الحاجة للخبرات الفرنسية التي كانت تحتكر هذا المجال لعقود طويلة دون منافس حقيقي.
الدور الروسي وتأثير نزاع اليورانيوم في النيجر على أوروبا
تتداخل المصالح الجيوسياسية بشكل معقد في هذا الملف، ففي الوقت الذي يتراجع فيه النفوذ الفرنسي تتجه النيجر بخطى ثابتة ومتسارعة لتعزيز تعاونها الاقتصادي والعسكري مع روسيا؛ التي أبدت رغبة صريحة ومباشرة في الدخول بقوة إلى مجال تعدين اليورانيوم بالبلاد وفقاً لتصريحات سابقة وموثقة لوزير الطاقة الروسي، وهذا التقارب يمثل ورقة ضغط قوية بيد نيامي في إطار نزاع اليورانيوم في النيجر، حيث تفتح الشراكة مع موسكو آفاقاً جديدة للتطوير والاستثمار بعيداً عن الشروط الغربية المجحفة وتوفر مظلة حماية سياسية في المحافل الدولية ضد الضغوط الأوروبية المتوقعة.
تكتسب هذه التطورات المتلاحقة أهمية بالغة وخطورة استثنائية بالنسبة للقارة العجوز التي تعتمد صناعتها النووية بشكل كبير على الإمدادات القادمة من الساحل الأفريقي، ولتوضيح حجم المأزق الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي جراء فقدان هذا المورد الحيوي يمكننا النظر إلى البيانات الإحصائية الدقيقة التي وثقتها الوكالات المختصة قبل تفاقم الأزمة الحالية:
| الفترة الزمنية | المصدر الإحصائي | نسبة مساهمة النيجر في واردات أوروبا |
|---|---|---|
| عام 2022 | وكالة “يوراتوم” الذرية | نحو 25% من إجمالي اليورانيوم الطبيعي |
تثبت هذه الأرقام بما لا يدع مجالاً للشك أن نزاع اليورانيوم في النيجر ليس مجرد خلاف تجاري عابر بل هو أزمة طاقة حقيقية تهدد أمن الإمدادات لدول الاتحاد الأوروبي، وتجعل من النيجر لاعباً محورياً لا يمكن تجاهله في معادلة الطاقة العالمية، وبات واضحاً أن السلطات النيجرية تدرك جيداً قيمة الورقة التي بين يديها وتجيد استخدامها للمناورة بين القوى العظمى؛ محققة بذلك مكاسب سياسية واقتصادية تعزز من شرعيتها الداخلية وتفرض واقعاً جديداً قائماً على استغلال الثروات وفقاً للمصلحة الوطنية العليا أولاً وقبل كل شيء.
