رماد بركان إثيوبيا أثار حالة من الترقب والقلق في الأوساط السعودية واليمنية خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك عقب تداول أنباء غير دقيقة حول احتواء السحب البركانية الناتجة عن ثوران جبل هايلي غوبي على مواد مشعة خطرة، وهو ما دفع الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية إلى التدخل العاجل لتوضيح الحقائق العلمية ودحض الشائعات التي انتشرت كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أكدت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية أن ما يحمله الغبار البركاني من مكونات لا يتعدى كونه مواد جيولوجية طبيعية موجودة في باطن الأرض ولا تشكل أي تهديد إشعاعي صناعي أو صحي على البيئة والسكان في المناطق التي مرت فوقها السحب الدخانية.
الموقف الرسمي وحقيقة المواد المشعة في رماد بركان إثيوبيا
جاء التفاعل الرسمي حاسماً لإنهاء الجدل القائم حول مكونات رماد بركان إثيوبيا الذي وصل مداه إلى أجواء جنوب الجزيرة العربية، إذ أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية بياناً توضيحياً شددت فيه على أن القياسات البيئية لم ترصد أي مستويات غير طبيعية من الإشعاع، مبينة أن القشرة الأرضية تحتوي بطبيعتها على نسب ضئيلة من المواد المشعة الطبيعية التي قد تظهر في أي غبار أو أتربة تخرج من باطن الأرض، وهذا يختلف تماماً عن المواد المشعة الضارة الناتجة عن الانشطارات النووية أو التسريبات الصناعية التي يخشاها الناس؛ وبناءً على ذلك فإن التهويل الإعلامي الذي صاحب الحدث لا يستند إلى أي مرجعية علمية دقيقة، خاصة أن هذا الثوران يعد ظاهرة طبيعية بحتة لم يتدخل فيها أي نشاط بشري صناعي يستدعي القلق من تلوث نووي.
للتوضيح أكثر حول تفاصيل الحدث الجيولوجي وتطمينات الجهات المعنية، يمكن النظر في البيانات الموثقة التالية:
| عنصر الحدث | التفاصيل الموثقة |
|---|---|
| اسم البركان وموقعه | بركان هايلي غوبي، منطقة عفار شمال شرق إثيوبيا |
| مدة الخمود السابقة | حوالي 10,000 عام (أول ثوران مسجل تاريخياً) |
| ارتفاع عمود الرماد | ما بين 10 إلى 19 كيلومتراً في الغلاف الجوي |
| حالة الخطر الإشعاعي | منفي تماماً من قبل هيئة الرقابة النووية السعودية |
استمراراً لجهود الطمأنة، أشارت التقارير العلمية المرافقة للحدث إلى أن المكونات الجيولوجية التي قذفها البركان هي عبارة عن صهارة بركانية تقليدية وغازات كبريتية معتادة في مثل هذه الانفجارات الضخمة، حيث يتكون الرماد المتطاير من جزيئات صخرية وزجاجية دقيقة نتجت عن التبريد السريع للصهارة، وهذه المكونات وإن كانت قد تسبب تهيجاً تنفسياً بسيطاً في حال استنشاقها بكثافة مباشرة، إلا أنها خالية تماماً من “اليورانيوم المخصب” أو المواد التي تروج لها الشائعات، مما يجعل الحديث عن سحابة رماد بركان إثيوبيا السامة نووياً مجرد خيال علمي بعيد عن الواقع المرصود بأجهزة الرصد الدقيقة.
تأثيرات سحابة رماد بركان إثيوبيا على حركة الطيران
لم يقتصر تأثير ثوران هايلي غوبي على المخاوف البيئية فحسب، بل امتد تأثير رماد بركان إثيوبيا ليحدث شللاً جزئياً واضطراباً ملحوظاً في مسارات الملاحة الجوية الدولية فوق البحر الأحمر، حيث رصدت مواقع تتبع الطيران العالمية مثل “Flightradar24” انحرافاً اضطرارياً للعديد من الرحلات التجارية التي كانت تعبر المنطقة الفاصلة بين اليمن وسلطنة عُمان، وذلك لتفادي الدخول في نطاق السحابة البركانية الكثيفة التي ارتفعت إلى طبقات الجو العليا وهددت سلامة محركات الطائرات؛ فالرماد البركاني يحتوي على جزيئات السيليكا التي يمكن أن تنصهر داخل محركات الطائرات النفاثة وتسبب توقفها المفاجئ، مما جعل شركات الطيران تتخذ أقصى درجات الحيطة والحذر بتغيير المسارات فور تلقي التحذيرات الجيولوجية.
وقد رصدت الجمعية الجغرافية الأمريكية ومراصد الزلازل العالمية عدة ظواهر مصاحبة لهذا الانفجار التاريخي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- انتشار سحابة ضخمة مشبعة بثاني أكسيد الكبريت اتجهت شمالاً عبر ممر البحر الأحمر الملاحي.
- تسجيل ارتفاعات شاهقة لعمود الدخان وصلت إلى 19 كيلومتراً، مما أدخلها في مسارات الطيران التجاري الدولية.
- رصد الأقمار الصناعية لتدفقات مستمرة من الرماد، مما يشير إلى قوة الضغط الكامن تحت القشرة الأرضية في تلك المنطقة.
البيانات الواردة من موقع “VolcanoDiscovery” أكدت أن هذا الحدث يعتبر الأول من نوعه في عصر المراقبة الحديثة لهذا البركان الخامد، حيث شكلت سحابة رماد بركان إثيوبيا تحدياً لوجستياً لشركات الطيران التي اضطرت لحرق وقود إضافي لتغيير المسارات، ورغم أن السحابة بدأت في التشتت تدريجياً مع حركة الرياح، إلا أن المراقبة الجوية ظلت مستمرة لضمان عدم وجود جيوب كثيفة من الرماد قد تباغت الطائرات العابرة، وهو إجراء بروتوكولي معتاد في حالات الكوارث الطبيعية العابرة للحدود لضمان سلامة المسافرين والشحن الجوي.
الأبعاد الجيولوجية العميقة لانتشار رماد بركان إثيوبيا
يحمل انبعـاث رماد بركان إثيوبيا من فوهة جبل هايلي غوبي دلالات علمية عميقة تتجاوز الحدث اللحظي، إذ يرى علماء الجيولوجيا أن استيقاظ هذا العملاق النائم بعد عشرة آلاف سنة من السبات يعد مؤشراً قوياً على تصاعد النشاط التكتوني في منطقة “عفار” المعقدة، وهي المنطقة التي يصفها العلماء بـ”المطبخ العميق” للقارة الإفريقية حيث تلتقي وتتباعد ثلاث صفائح قارية رئيسية في آن واحد، وهذا النشاط المفاجئ يعطي دليلاً ملموساً على أن العمليات الجيولوجية المسؤولة عن تشكيل القارات والبحار الجديدة لا تزال تعمل بنشاط تحت أقدامنا، مما يحول المنطقة إلى مختبر طبيعي مفتوح يراقب فيه العلماء ولادة محيط جديد محتمل عبر ملايين السنين القادمة، وسط مخاوف مشروعة من أن يحفز هذا الثوران براكين أخرى خامدة في نفس الحزام الناري.
المراقبة المستمرة لهذا النشاط التكتوني وتتبع مسار رماد بركان إثيوبيا يوفر بيانات نادرة لعلماء الجيوفيزياء حول ديناميكية الصهارة الموجودة أسفل الوادي المتصدع الكبير، حيث يعتقد الباحثون أن صعود الصهارة بهذه القوة والارتفاع يشير إلى وجود خزان صهاري ضخم ونشط قد يعيد رسم الخريطة الجيولوجية للمنطقة مستقبلاً، وهذا ما يفسر الاهتمام العالمي الكبير بالحدث الذي يتجاوز مجرد انبعاثات دخانية عابرة، ليصبح نافذة نطل منها على العمليات العنيفة التي شكلت كوكب الأرض ولا تزال تعيد تشكيله ببطء ولكن بثبات مذهل.
