تشريعات الحجاب تعيد خلط الأوراق السياسية في إيران وتضع الحكومة أمام مأزق التنفيذ

تشريعات الحجاب تعيد خلط الأوراق السياسية في إيران وتضع الحكومة أمام مأزق التنفيذ

أزمة الحجاب الإلزامي في إيران عادت لتتصدر المشهد السياسي والاجتماعي بقوة عقب تحركات برلمانية مكثفة تهدف إلى الضغط على السلطات القضائية لتشديد القبضة الأمنية؛ إذ وجه عدد كبير من النواب رسالة شديدة اللهجة تطالب بإنهاء ما وصفوه بحالة التراخي في تطبيق القوانين، وهو الأمر الذي يعكس بوضوح عمق الفجوة المتزايدة بين التيار المحافظ المتشدد والتوجهات الحكومية الجديدة التي تسعى لتبني مقاربات مختلفة في التعامل مع القضايا الاجتماعية الحساسة التي تؤرق الشارع الإيراني منذ سنوات.

تصاعد أزمة الحجاب الإلزامي في إيران ومطالبات البرلمان

تفاقمت حدة التوتر السياسي الداخلي بشكل ملحوظ عندما بادر 155 عضوًا من أصل 290 في البرلمان الإيراني بالتوقيع على رسالة جماعية موجهة بشكل مباشر إلى رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي؛ حيث أكد النواب في خطابهم أنه لا يمكن للقضاء أن يبقى مكتوف الأيدي أمام التجاوزات الحالية، وقد نقلت وكالة الأنباء البرلمانية الرسمية “إيكانا” فحوى هذه الرسالة التي حملت في طياتها انتقادات لاذعة لطريقة إدارة الملف الاجتماعي في البلاد، معتبرين أن هذا الإهمال الواضح في تطبيق القانون قد مهد الطريق لظهور حالات من العري وعدم احترام القواعد الشرعية، بالإضافة إلى انتشار سلوكيات أخرى وصفوها بالشاذة والغريبة عن قيم المجتمع الإيراني المحافظ؛ مما يستدعي تدخلاً عاجلاً وحازماً لإعادة الانضباط إلى الفضاء العام ومنع ما يعتبرونه تآكلاً للقيم الأخلاقية والدينية التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية.

وفي سياق متصل بتطورات أزمة الحجاب الإلزامي في إيران، يرى النواب الموقعون على الرسالة أن التهاون في تنفيذ العقوبات شجع فئات واسعة على تحدي القواعد؛ إذ يخشى المحافظون من أن يؤدي استمرار هذا الوضع إلى تغييرات ديموغرافية وثقافية لا رجعة فيها، ولذلك فهم يضغطون بكل ثقلهم السياسي لإجبار القضاء على اتخاذ خطوات عقابية رادعة تتجاوز مجرد التحذيرات الشفهية، وتصل إلى حد تفعيل القوانين المعطلة التي تفرض غرامات وعقوبات سالبة للحرية على المخالفات؛ وهو ما يضع السلطة القضائية في موقف حرج بين مطرقة الضغوط التشريعية وسندان الغضب الشعبي المحتمل.

موقف الرئيس بزشكيان من أزمة الحجاب الإلزامي في إيران

على الجانب الآخر من المعادلة السياسية، يظهر التباين الواضح في الرؤى بين البرلمان والسلطة التنفيذية المتمثلة في إدارة الرئيس مسعود بزشكيان؛ حيث رفضت إدارته في العام الماضي إصدار قانون كان البرلمان قد أقره سابقاً ويهدف إلى تشديد العقوبات بشكل كبير وغير مسبوق على النساء اللواتي لا يضعن غطاء الرأس أو يرتدينه بشكل يعتبره المتشددون غير لائق، ومنذ توليه مقاليد السلطة رسمياً في يوليو 2024 أكد بزشكيان مراراً وتكراراً على قناعته الشخصية والسياسية بأنه لا يجوز إجبار المرأة على ارتداء زي معين بالقوة، مشيراً إلى أن الحلول الأمنية لم تعد مجدية في التعامل مع التحولات الثقافية العميقة التي يمر بها المجتمع، وهذا الموقف خلق حالة من الجمود التشريعي والصراع المكتوم بين مؤسسات الدولة المختلفة حول كيفية إدارة ملف الحريات الشخصية.

الجدول التالي يوضح أبرز نقاط الاختلاف بين البرلمان والرئاسة حول التعامل مع أزمة الحجاب الإلزامي في إيران:

موقف البرلمان الإيراني (التيار المحافظ) موقف الرئيس مسعود بزشكيان
يعتبر التراخي سبباً في انتشار “العري” والسلوكيات الشاذة يرى أنه لا يجوز إجبار المرأة على ارتداء الحجاب بالقوة
يطالب بتشديد العقوبات وتفعيل القوانين الصارمة فوراً يرفض إصدار قوانين تغلظ العقوبات ويفضل المقاربة الثقافية

ورغم الضغوط المستمرة التي تمارسها أزمة الحجاب الإلزامي في إيران على حكومة بزشكيان، إلا أن الرئيس يبدو مصمماً على تجنب تكرار سيناريوهات الصدام المباشر مع الشارع؛ حيث يدرك جيداً أن أي تحرك غير محسوب قد يشعل فتيل احتجاجات جديدة يصعب السيطرة عليها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، ولذلك فهو يحاول الموازنة بين الحفاظ على هيبة الدولة وبين استيعاب المطالب الاجتماعية المتزايدة بمنح مساحة أكبر من الحريات الشخصية للنساء، وهو نهج يواجه مقاومة شرسة من قبل رجال الدين والسياسيين المحافظين الذين يرون في أي تنازل علامة ضعف وتهديداً لأسس النظام.

تداعيات أزمة الحجاب الإلزامي في إيران بعد احتجاجات مهسا أميني

تعود جذور التوتر الحالي بشكل أساسي إلى الأحداث الدامية التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق في عام 2022؛ حيث ألقي القبض عليها حينذاك بدعوى ارتدائها غطاء رأس وُصف بأنه غير مناسب ومخالف لقواعد اللباس الصارمة، وقد فجرت وفاتها موجة عارمة من الاحتجاجات التي هزت أركان النظام وكشفت عن رفض شعبي واسع لسياسات الإكراه، ومنذ ذلك الحين تحول غطاء الرأس من مجرد قطعة قماش إلى رمز للمقاومة السياسية والاجتماعية، مما جعل السلطات في حالة استنفار دائم لمواجهة ما يعتبرونه عصياناً مدنياً منظماً، بينما يصر المحافظون ورجال الدين على موقفهم المتشدد باعتبار أن التخلي عن الزي الشرعي هو مقدمة لانهيار القيم الإسلامية.

وفي إطار محاولات السيطرة على أزمة الحجاب الإلزامي في إيران ومحاربة ما يسمونه بالنفوذ الغربي، اتخذت السلطات في الأشهر الأخيرة سلسلة من الإجراءات العقابية التي طالت القطاع التجاري والخدمي؛ حيث أغلقت الأجهزة الأمنية العديد من المقاهي والمطاعم بذريعة عدم التزام العاملين أو الرواد بقواعد اللباس المفروضة، أو بسبب تقديم بعض هذه الأماكن للكحول الذي يعتبر محظوراً تماماً في الجمهورية الإسلامية، وتأتي هذه الإجراءات كجزء من حملة أوسع تهدف إلى:

  • محاربة مظاهر “العري” والتحرر التي يراها المحافظون تهديداً للهوية الثقافية والدينية للمجتمع الإيراني.
  • تقليص النفوذ الغربي الذي يعتقد رجال الدين أنه يتسلل عبر نمط الحياة الحديث والأماكن الترفيهية المختلطة.
  • فرض هيبة الدولة وإرسال رسالة مفادها أن التهاون في تطبيق الشريعة لن يتم التسامح معه مهما كانت الظروف.

تظل أزمة الحجاب الإلزامي في إيران قضية شائكة ومعقدة تتجاوز البعد الديني لتمس جوهر الصراع السياسي والاجتماعي في البلاد؛ إذ يعكس الخلاف الحالي بين البرلمان والرئاسة، والشد والجذب بين السلطة والشارع، حالة من عدم اليقين حول مستقبل الحريات المدنية، في وقت يستمر فيه المحافظون في الضغط لفرض رؤيتهم المتشددة بينما يحاول المجتمع المقاومة للحفاظ على مكتسباته البسيطة.