انضمام كير ستارمر إلى تيك توك يمثل تحولاً استراتيجياً لافتاً في أسلوب التواصل الرقمي لرئاسة الوزراء البريطانية، إذ تأتي هذه الخطوة الجريئة بإنشاء الحساب الرسمي وسط إجراءات أمنية مشددة للغاية لضمان حماية البيانات الحساسة؛ وقد سعى رئيس الوزراء من خلال هذه المبادرة إلى كسر الحواجز التقليدية والوصول إلى شرائح أوسع من الجمهور، خاصة فئة الشباب التي تعتمد بشكل كلي على منصات الفيديو القصيرة، وذلك في وقت تواجه فيه حكومته تحديات سياسية داخلية تتطلب تعزيز التواصل المباشر وترميم الشعبية المتراجعة.
أبرز المشاهد في انطلاقة حساب كير ستارمر على تيك توك
بدأت الرحلة الرقمية الجديدة بنشر مقاطع فيديو مختارة بعناية تعكس الجانبين الإنساني والدبلوماسي لرئيس الوزراء، فقد ظهر في المقطع الأول بصحبة زوجته في أجواء احتفالية دافئة وهما يضيئان شجرة عيد الميلاد أمام مقر الحكومة في “داونينغ ستريت”؛ وحرص ستارمر على توجيه رسالة مباشرة وسريعة للمتابعين في هذا الفيديو قائلاً عبارته الترحيبية “تيك توك، تابعوني”، مما يعكس رغبة واضحة في بناء جسر من التواصل الشخصي بعيداً عن الرسميات المعتادة في البيانات الصحفية التقليدية، وهو نهج بات ضرورياً للسياسيين في العصر الرقمي الحديث لضمان بقائهم في دائرة الضوء والاهتمام العام.
لم يقتصر ظهور كير ستارمر على تيك توك على المناسبات الاجتماعية والاحتفالية فحسب، بل امتد ليشمل نشاطاته الدبلوماسية الرفيعة المستوى لتسليط الضوء على دوره الدولي، حيث نشر فيديو آخر يوثق لحظة استقباله للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعناقه له خارج مقر إقامته؛ وقد ظهر الزعيمان لاحقاً وهما ينضمان إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، في إطار جولة محادثات مكثفة تهدف إلى مناقشة المقترحات الحيوية لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، مما يؤكد أن المنصة ستستخدم أيضاً كأداة لاستعراض القوة الناعمة والتحركات السياسية الكبرى للمملكة المتحدة أمام الجمهور العالمي والمحلي على حد سواء.
التدابير الأمنية والجدل حول استخدام كير ستارمر على تيك توك
تثير هذه الخطوة تساؤلات مشروعة حول السياسات الأمنية المتبعة، خاصة أن الحكومة البريطانية كانت قد اتخذت موقفاً حازماً في وقت سابق تجاه التطبيق الصيني؛ ولتوضيح هذا التناقض الظاهري بين الحظر العام والاستخدام الخاص لرئيس الوزراء، أكد ناطق باسم مكتبه أن الحساب لا يدار من الأجهزة الحكومية التقليدية المحظورة، بل تم تفعيله وفق بروتوكولات حماية صارمة جداً تضمن عدم تسرب أي بيانات حساسة، فالقيود التي فُرضت سابقاً على موظفي الحكومة والوزراء ما زالت سارية المفعول دون أي تغيير في السياسة الأمنية العامة للدولة تجاه التطبيقات التي تثير مخاوف سيبرانية.
يعود أصل المخاوف التي تحيط بتواجد كير ستارمر على تيك توك إلى قرارات سابقة اتخذتها لندن بناءً على تحذيرات استخباراتية وتقنية تتعلق بالشركة الأم “بايت دانس”، حيث ينظر الجدول الزمني التالي في تطور العلاقة بين الحكومة البريطانية وهذه المنصة الرقمية ليوضح السياق العام الذي جاءت فيه هذه الخطوة الأخيرة:
| الحدث التاريخي | التفاصيل والإجراءات |
|---|---|
| إطلاق أول حساب لرئاسة الوزراء | تم في مايو 2022 بعهد بوريس جونسون وتوقف بعد 3 أشهر |
| قرار الحظر الرسمي | مارس 2023 منع التطبيق على الأجهزة الحكومية لأسباب أمنية |
| العودة المشروطة | ديسمبر 2024 تفعيل حساب ستارمر بإجراءات خاصة |
أوضح المتحدث الرسمي أن الهاتف المستخدم لإدارة الحساب ليس مرتبطاً بالشبكة الحكومية المؤمنة ولا يحوي أي بيانات سرية للدولة، مما يعني أن “الإجراءات الأمنية المشددة” التي تم تفعيلها هي حل تقني خاص يسمح بالاستفادة من القوة الإعلامية للتطبيق دون المساس بالأمن القومي؛ وتظل المخاوف المتعلقة بملكية البيانات وقوانين الشركات الصينية حاضرة في الخلفية، إلا أن الضرورة السياسية للتواصل حتمت إيجاد ثغرة آمنة تمكن رئيس الوزراء من مخاطبة الملايين الذين هجروا وسائل الإعلام التقليدية، وهو توازن دقيق تحاول الحكومة الحفاظ عليه بين الأمان الرقمي والانتشار الإعلامي.
الأهداف السياسية وراء تواجد كير ستارمر على تيك توك
ينظر المراقبون إلى هذا التحرك على أنه محاولة بائسة أو ضرورية لإنقاذ الصورة العامة للحكومة في ظل استطلاعات الرأي المقلقة، حيث يعاني ستارمر وفريقه الوزاري من انخفاض متواصل في الشعبية يتطلب أدوات غير تقليدية لاستعادة ثقة الناخبين؛ ومن المعروف أن التطبيق يوفر خوارزميات تسمح بالوصول السريع والواسع للمحتوى، مما يجعله منصة مثالية لتسويق الإنجازات السياسية أو إظهار الجانب الإنساني للقادة بعيداً عن صرامة المنصات الإخبارية، وهي استراتيجية سبق وجربها سلفه بوريس جونسون عبر حساب “10 داونينغ ستريت” قبل أن يتم تجميده لاحقاً.
لتحقيق أقصى استفادة من ظهور كير ستارمر على تيك توك وضمان عدم تعارض ذلك مع التحذيرات الأمنية السابقة، تم وضع مجموعة من الضوابط والمحددات التي تحكم عمل الفريق الإعلامي المشرف على الحساب، والتي يمكن تلخيص أبرز ملامحها في النقاط التالية لضمان الشفافية والأمان:
- استخدام أجهزة منفصلة تماماً عن الشبكة الحكومية لنشر المحتوى
- حصر إدارة الحساب في فريق مصغر وموثوق أمنياً
- التركيز على الرسائل العامة والابتعاد عن أي تفاصيل تشغيلية حساسة
يعد هذا التوجه الجديد دليلاً قاطعاً على أن السياسيين لم يعودوا قادرين على تجاهل سطوة منصات الفيديو القصيرة وتأثيرها المباشر في تشكيل الرأي العام، فالوصول إلى الناخبين في أماكن تواجدهم الرقمية أصبح أولوية قصوى تتجاوز المخاوف التقنية التقليدية، خاصة عندما تكون الشعبية السياسية على المحك والحاجة ماسة لتجديد الدماء في قنوات الاتصال الحكومية مع المواطنين.
