طفرة جينية نادرة توقف زحف الزهايمر عبر تحصين الخلايا المناعية في الدماغ

طفرة جينية نادرة توقف زحف الزهايمر عبر تحصين الخلايا المناعية في الدماغ

طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر وتفتح آفاقًا ثورية في عالم الطب العصبي هي محور الاكتشاف الأخير الذي توصل إليه باحثون من جامعة روتجرز الأمريكية؛ حيث تمكن العلماء من تحديد متغير جيني فريد يعزز قدرة الخلايا المناعية في الدماغ على مقاومة التدهور، وتعد هذه الدراسة نقطة تحول جوهرية لأنها تنقل التركيز من مجرد البحث عن مسببات المرض إلى استكشاف عوامل المرونة البيولوجية التي تمنح الدماغ حصانة طبيعية.

آلية عمل طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر لدى مصابي متلازمة داون

كشفت الأبحاث المعمقة أن الأفراد المصابين بمتلازمة داون يحملون عادة ثلاث نسخ من الكروموسوم 21 مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بمرض الزهايمر المبكر بسبب التراكم السريع للبروتينات السامة في أنسجة الدماغ، ورغم هذا الخطر الجيني المرتفع لاحظ العلماء وجود فئة استثنائية من هؤلاء المرضى تظهر مقاومة مذهلة للخرف ولا تعاني من التدهور المعرفي المتوقع، وقد قادت هذه الملاحظة السريرية فريق البحث إلى عزل ودراسة طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر تُعرف باسم CSF2RB A455D والتي وُجدت تحديدًا في الخلايا المناعية لهؤلاء الناجين، حيث يعمل هذا التغيير الجيني الدقيق على تغيير مسار التفاعلات البيولوجية داخل الدماغ بشكل يمنع الانهيار العصبي ويحافظ على سلامة الوظائف العقلية لفترات طويلة تفوق التوقعات الطبية المعتادة.

أوضح البروفيسور بيل جيانج، وهو المشرف الرئيسي على هذه الدراسة الرائدة، أن اكتشاف طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر يمثل تحولًا استراتيجيًا في منهجية التعامل مع الأمراض التنكسية العصبية؛ فبدلاً من الاكتفاء بمحاولة إزالة لويحات الأميلويد السامة التي تتراكم مع التقدم في العمر يتجه العلم الآن نحو تمكين الدماغ من الدفاع عن نفسه، وتعتمد هذه الآلية الدفاعية بشكل أساسي على تعزيز كفاءة الخلايا الدبقية الصغيرة وهي خط الدفاع الأول في الجهاز العصبي المركزي، وقد أظهرت الدراسة خصائص مميزة لهذه الخلايا عند حملها للطفرة نلخصها في النقاط التالية:

  • الحفاظ على حيوية الشباب في الخلايا المناعية وتأخير علامات الشيخوخة الخلوية بشكل ملحوظ مقارنة بالخلايا العادية.
  • تعزيز القدرة الذاتية على التخلص من النفايات الخلوية والبروتينات الضارة المتراكمة بكفاءة وسرعة أعلى.
  • منع حدوث الالتهابات المزمنة طويلة الأمد التي تعد السبب الرئيسي لتلف الخلايا العصبية السليمة المجاورة.
  • توفير حماية نشطة ومستمرة للأنسجة العصبية المحيطة مما يضمن استمرار التواصل العصبي بفعالية.

تجارب رائدة حول طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر في النماذج الحية

للتأكد من فعالية هذه الطفرة قام الباحثون بتصميم تجربة معقدة تعتمد على تقنية الخلايا الجذعية المتقدمة لإنتاج خلايا دبقية صغيرة بشرية تحمل التعديل الجيني المكتشف، وتم زرع هذه الخلايا بدقة متناهية داخل أدمغة فئران لتكوين ما يسمى بنموذج الدماغ الهجين الذي يجمع بين البيئة البيولوجية للفأر والخلايا المناعية البشرية، وقد سمح هذا النموذج المبتكر بمراقبة سلوك طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر في بيئة حية تحاكي ظروف المرض الحقيقية، وعندما تم تعريض هذه الفئران للبروتينات المرتبطة بمرض الزهايمر كانت النتائج مذهلة وغير متوقعة للوسط العلمي بأكمله، حيث أظهرت الخلايا المعدلة تفوقًا كاسحًا في البقاء والوظيفة.

المثير للاهتمام في هذه التجارب هو المقارنة المباشرة التي أجراها العلماء بين الخلايا التي تحمل طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر وتلك التي تفتقر إليها في نفس البيئة المرضية، فقد لوحظ أنه بمرور الوقت تضعف الخلايا الدبقية العادية وتفقد قدرتها على المواجهة وتستسلم للتلف الناتج عن الالتهاب والسمية، بينما استطاعت الخلايا الحاملة للطفرة أن تتولى زمام الأمور وتنعش الجهاز المناعي للدماغ بفعالية عالية، وهذا يثبت أن التأثير الوقائي لا يقتصر فقط على بيئة متلازمة داون بل يمكن تفعيله في الخلايا البشرية لعامة الناس، والجدول التالي يوضح الفروقات الجوهرية التي رصدها الباحثون خلال التجربة:

نوع الخلايا الدبقية الصغيرة الاستجابة للبروتينات السامة حالة الالتهاب العصبي
الخلايا غير المتحولة (العادية) ضعف تدريجي وتراكم للفضلات التهاب طويل الأمد يضر الأنسجة
الخلايا الحاملة للطفرة CSF2RB تخلص نشط وسريع من السموم استجابة مناعية متوازنة دون ضرر

استراتيجيات علاجية مستوحاة من طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر

يرى المجتمع العلمي اليوم أن فهم آليات عمل طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر يفتح أبواب الأمل لتطوير جيل جديد كليًا من العلاجات التي تتجاوز الأدوية التقليدية المهدئة للأعراض، حيث يناقش الباحثون حاليًا إمكانية تطبيق استراتيجيات التدخل الجيني المباشر والتي تهدف إلى إدخال هذه الطفرة المفيدة إلى الخلايا الدبقية الصغيرة الموجودة بالفعل في أدمغة المرضى، وهذه التقنية قد تسمح بإعادة برمجة الجهاز المناعي للمريض ليصبح قادرًا على مقاومة المرض من الداخل واستعادة قدرته المفقودة على التنظيف الذاتي وحماية الخلايا العصبية من الموت المبرمج الذي يسببه الزهايمر.

إضافة إلى العلاج الجيني يدرس العلماء خيار زراعة خلايا دبقية صغيرة معدلة وراثيًا باستخدام تقنيات الهندسة الحيوية لتمتلك خصائص طفرة جينية نادرة تحمي من الزهايمر، ثم يتم حقن هذه الخلايا المعززة في أدمغة المرضى لتقوم بدور “قوات حفظ السلام” التي تسيطر على الالتهابات وتزيل الرواسب الضارة، ويمثل هذا التوجه قفزة نوعية لأنه يتعامل مع أصل المشكلة البيولوجية بدلاً من نتائجها، مما قد يوفر حلولاً جذرية ليس فقط لمرضى متلازمة داون المعرضين للخطر بل لملايين البشر حول العالم الذين يهددهم شبح الخرف والزهايمر مع التقدم في العمر، ليكون هذا الاكتشاف بمثابة درع واقٍ يحفظ العقل والذاكرة لسنوات أطول.