قطر تقتحم سباق الذكاء الاصطناعي في المنطقة بإطلاق شركتها الوطنية “Qai”

قطر تقتحم سباق الذكاء الاصطناعي في المنطقة بإطلاق شركتها الوطنية “Qai”

شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي تمثل أحدث الخطوات الإستراتيجية التي اتخذتها الدوحة لتعزيز نفوذها الرقمي عالميًا؛ إذ أعلنت الدولة عن إطلاق هذا الكيان الوطني الجديد ليكون قاطرة النمو في قطاع التقنية المتقدمة، وهي خطوة تأتي بالتزامن مع احتدام المنافسة الدولية والإقليمية على امتلاك البنى التحتية المتطورة، وتسعى الدوحة من خلال هذه المبادرة إلى حجز مكانة ريادية توازي الجهود التي بذلتها دول الخليج المجاورة التي ضخت استثمارات هائلة خلال عام 2025 لتنويع مصادر دخلها وتحديث اقتصاداتها بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الموارد الهيدروكربونية.

أهداف شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي والزخم الاستثماري

أوضح جهاز قطر للاستثمار، الذي يعد المحرك المالي الرئيسي خلف هذا المشروع بأصول ضخمة تُقدر بنحو 524 مليار دولار، أن الكيان الجديد لن يكتفي بالعمل المحلي فحسب؛ بل ستمتد أنشطة شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي لتشمل الاستثمار في البنية التحتية التقنية داخل الحدود القطرية وخارجها، مع التركيز على توفير حوسبة عالية الأداء وحزمة متكاملة من الأدوات المترابطة التي تخدم المطورين والمؤسسات على حد سواء، ورغم التكتم الحالي على حجم الميزانية المخصصة أو التفاصيل الدقيقة للأدوات المزمع طرحها، إلا أن المؤشرات تؤكد أن الدوحة عازمة على اللحاق بركب جاراتها الخليجيات اللواتي قطعن شوطًا كبيرًا في هذا المضمار عبر ضخ مليارات الدولارات في الشركات الناشئة وإطلاق كيانات عملاقة.

يأتي هذا التحرك ضمن مشهد إقليمي أوسع تتسابق فيه العواصم الخليجية لبناء اقتصادات معرفية راسخة؛ حيث برزت كيانات وطنية كبرى مثل “G42” في دولة الإمارات العربية المتحدة وشركة “Humain” في المملكة العربية السعودية كأقطاب رئيسية في المنطقة، وهو ما دفع الدوحة لتسريع وتيرة دخولها إلى الحلبة عبر شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي، وتجدر الإشارة إلى أن جهاز قطر للاستثمار لم يكن بعيدًا عن هذا المشهد قبل التأسيس، فقد سجل حضورًا قويًا في سبتمبر الماضي عبر المشاركة في جولة تمويلية ضخمة لشركة “أنثروبيك” الأمريكية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي بلغت قيمتها الإجمالية 13 مليار دولار، مما يعكس الرغبة القطرية في بناء شراكات عالمية متينة تخدم رؤيتها المحلية.

يوضح الجدول التالي أبرز البيانات المالية والكيانات المنافسة التي ترسم ملامح المشهد الذي ولدت فيه الشركة الجديدة:

الكيان / الدولة التفاصيل المالية / الاستراتيجية
جهاز قطر للاستثمار أصول بقيمة 524 مليار دولار ومساهمة بتمويل أنثروبيك
الإمارات العربية المتحدة تأسيس شركة G42 وشراكات إستراتيجية مع مايكروسوفت
المملكة العربية السعودية إطلاق شركة Humain وضخ مليارات في الشركات الناشئة

إستراتيجية عمل شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي

أسندت مهمة قيادة هذا المشروع الطموح إلى عبد الله المسند، وهو شخصية بارزة في المشهد الاقتصادي القطري بصفته مسؤولًا في مكتب رئيس الوزراء وعضوًا سابقًا في مجلس إدارة “شركة الدوحة للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة”، وقد رسم المسند ملامح واضحة لتوجهات شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي مؤكدًا ابتعادها عن سباق تطوير النماذج اللغوية الضخمة مثل “Gemini” التابع لجوجل، وبدلًا من ذلك ستصب الشركة تركيزها على الجوانب التطبيقية والتقييمية التي تضمن جودة المخرجات، حيث شدد على ضرورة تزويد الأفراد والشركات بالأدوات التي تمكنهم من تبني التقنية بثقة تامة، معتبرًا أن الموثوقية هي العملة الأهم في المستقبل القريب لضمان استدامة استخدام هذه التقنيات في القطاعات الحيوية.

تتبنى الشركة رؤية مستقبلية تتجاوز الحلول التقليدية الحالية؛ إذ تخطط للاستثمار في تقنيات الجيل القادم التي تحقق قيمة مضافة حقيقية، وقد حدد المسند مجموعة من الركائز التي ستقوم عليها إستراتيجية الشركة لضمان التميز في سوق مزدحم، وتشمل هذه الركائز التوجه نحو الأنظمة التي تعمل باستقلالية وكفاءة عالية لتنفيذ المهام المعقدة دون تدخل بشري مستمر، وفيما يلي أبرز النقاط التي ترتكز عليها خطة عمل الشركة:

  • التركيز على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي موثوقة تعزز ثقة المستخدمين في المخرجات الرقمية
  • العمل على تقييم النماذج اللغوية الضخمة الموجودة عالميًا وتسويقها بدلًا من إعادة اختراعها
  • الاستثمار المكثف في تقنيات “الوكلاء المستقلين” القادرة على تنفيذ مهام واسعة ومتعددة
  • بناء خطط طويلة الأمد تستهدف تحقيق القيمة الفعلية لما بعد العامين أو الثلاثة المقبلين

تحديات التوسع أمام شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي

تحولت منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة إلى قبلة لعمالقة التكنولوجيا العالميين مثل OpenAI ومايكروسوفت؛ نظرًا لما تتمتع به من وفرة في التمويل وتكاليف طاقة منخفضة تعتبر حيوية لتشغيل مراكز البيانات الضخمة، وهذا المناخ الجاذب يفرض على شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي التحرك بذكاء للاستفادة من الفرص المتاحة، خاصة في ظل القيود والتحديات الجيوسياسية المرتبطة بسلاسل التوريد التقنية، ففي حين نجحت دول الجوار في تأمين صفقات إستراتيجية، كما حدث في نوفمبر الماضي عندما وافقت الولايات المتحدة على بيع عشرات الآلاف من الرقاقات المتقدمة لكل من “G42” الإماراتية و “Humain” السعودية، تظل مسألة الوصول إلى العتاد الصلب المتطور أحد أبرز التحديات التي يجب التعامل معها بحنكة دبلوماسية وتجارية لضمان استمرار النمو.

يتطلب نجاح قطر في هذا المسار الحصول على التراخيص اللازمة لاستيراد أحدث المعالجات من الشركات المصنعة الرائدة مثل إنفيديا و AMD؛ حيث تعد هذه الرقاقات العصب الرئيسي لأي بنية تحتية متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، ويأتي هذا في وقت تفرض فيه واشنطن قيودًا صارمة على تصدير هذه التقنيات إلى دول معينة مثل الصين، مما يجعل الحصول عليها بمثابة شهادة ثقة دولية، وبالتالي فإن قدرة شركة Qai القطرية للذكاء الاصطناعي على تأمين هذه الموارد ستكون العامل الحاسم الذي يحدد وتيرة توسعها وقدرتها على منافسة اللاعبين الإقليميين الذين سبقوها بخطوات في تأمين احتياجاتهم من العتاد المتطور اللازم لتشغيل الخوارزميات المعقدة والوكلاء المستقلين الذين تراهن عليهم الشركة في رؤيتها المستقبلية.