قرار الجمعية العامة بشأن الجولان السوري المحتل الذي صدر يوم الثلاثاء يعتبر خطوة مفصلية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي؛ إذ رحبت دمشق بهذا الإجماع الدولي الذي يجرّم استمرار الاحتلال ويطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية فوراً إلى خط الرابع من يونيو لعام 1967، كما أعربت الخارجية السورية عن تقديرها العميق للجهود الدبلوماسية التي قادتها مصر لتقديم مشروع هذا القرار الذي يؤكد بطلان الإجراءات الإسرائيلية وعدم شرعيتها.
دلالات اتساع الدعم الدولي لقضية الجولان السوري المحتل
أظهرت نتائج التصويت الأخيرة تحولاً نوعياً في المزاج الدولي تجاه الحقوق العربية؛ حيث أشارت وزارة الخارجية السورية في بيانها الرسمي إلى أن القفزة الرقمية في عدد الدول المؤيدة للقرار تعكس نجاحاً للدبلوماسية السورية واستعادة لزخم التضامن العالمي، فالأرقام تتحدث بوضوح عن عزلة الموقف الإسرائيلي وتنامي الوعي الدولي بخطورة استمرار الوضع الراهن الذي يهدد الاستقرار الإقليمي، وهذا الفارق الكبير في عدد الأصوات مقارنة بالعام الماضي يُقرأ في دمشق على أنه انتصار لنهجها المتمسك بالسيادة الكاملة وعدم التفريط بأي شبر من الأراضي الوطنية، ويوضح الجدول التالي الفارق الرقمي الذي استندت إليه الخارجية السورية في قراءتها للمشهد الدولي المتغير لصالح قضيتها العادلة:
| فترة التصويت | عدد الدول المؤيدة للقرار |
|---|---|
| العام الماضي | 97 دولة |
| العام الجاري | 123 دولة |
البيان السوري لم يتوقف عند لغة الأرقام فحسب بل غاص في المضمون السياسي والقانوني لهذا التحشيد؛ حيث اعتبرت دمشق أن هذا الالتفاف الدولي حول الجولان السوري المحتل هو رسالة مباشرة تؤكد دعم العالم لسوريا وموقفها المبدئي، كما أنه يقطع الطريق أمام أي محاولات لشرعنة الاحتلال أو التعامل معه كأمر واقع، ويبرهن هذا الدعم المتزايد أن المجتمع الدولي بات يدرك أكثر من أي وقت مضى أن تحقيق السلام في المنطقة مستحيل دون معالجة جذور الصراع المتمثلة في الاحتلال والاستيطان، وأن الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي بذلتها الدبلوماسية السورية والمصرية قد أثمرت عن إعادة تثبيت هذه الحقائق في أروقة الأمم المتحدة.
الموقف القانوني والأمم المتحدة تجاه الجولان السوري المحتل
تستند الشرعية الدولية في تعاملها مع ملف الجولان السوري المحتل إلى مرجعيات قانونية راسخة لا تقبل التأويل؛ فالقرار الجديد يعيد التأكيد على المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة التي تحظر اكتساب الأراضي بالقوة، ويشدد على أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل لتغيير طابع المنطقة أو وضعها القانوني هي إجراءات باطلة ولاغية، وهذا الموقف الدولي ليس وليد اللحظة بل هو استمرار لنهج بدأ منذ اللحظات الأولى لمحاولات الضم الإسرائيلي، خاصة الرد السريع والحاسم من مجلس الأمن الدولي عبر القرار رقم 497 الذي صدر عقب الخطوة الإسرائيلية بأيام معدودة في مطلع الثمانينيات، وتتضمن بنود القرار الأممي الجديد مجموعة من المطالب والركائز الأساسية التي تضمن حقوق سوريا السيادية وهي:
- الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كافة الأراضي المحتلة إلى خط 4 يونيو 1967.
- اعتبار بناء المستوطنات وأي أنشطة إسرائيلية أخرى في المنطقة عملاً غير مشروع.
- تأكيد بطلان ما يسمى “قانون الجولان” الإسرائيلي وعدم وجود أي أثر قانوني له دولياً.
- إلزام إسرائيل بالامتثال لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي لم تطبقها حتى الآن.
العودة بالتاريخ إلى الرابع عشر من ديسمبر عام 1981 تكشف عمق الأزمة القانونية التي وضعت إسرائيل نفسها فيها؛ حينما أقر الكنيست قانوناً يفرض القضاء والإدارة الإسرائيلية على المنطقة المحتلة في خطوة أحادية الجانب، لكن الرد الدولي جاء حازماً حينها عبر مجلس الأمن الذي جرد تلك الخطوة من أي قيمة قانونية بعد ثلاثة أيام فقط، واليوم يأتي قرار الجمعية العامة ليعيد التذكير بأن مرور الزمن لا يمنح الشرعية للاحتلال، وأن المجتمع الدولي لا يزال متمسكاً بأن استمرار السيطرة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل يشكل العائق الرئيسي أمام أي تسوية سلمية شاملة وعادلة، وهو ما أشارت إليه الخارجية السورية بتأكيدها أن الاحتلال يمثل “حجر عثرة” أمام استقرار الشرق الأوسط برمته.
الثوابت الوطنية والدور المصري في ملف الجولان السوري المحتل
لعبت جمهورية مصر العربية دوراً محورياً في صياغة وحشد الدعم لمشروع القرار؛ حيث عبرت دمشق عن بالغ امتنانها للشقيقة مصر لتبنيها تقديم المشروع، مثمنة في الوقت ذاته ثبات الدول التي واصلت التصويت لصالح الحق السوري، فهذا التنسيق العربي المشترك يعكس إيماناً بوحدة المصير وأهمية التكاتف لاستعادة الحقوق المغتصبة، كما أوضحت دمشق نقطة جوهرية تتعلق بالمسار السياسي والأمني؛ إذ أكدت أن انخراطها في أي محادثات فنية أو تقنية قد تمس ترتيبات الأمن في المنطقة لا يمكن تفسيره بأي حال من الأحوال على أنه تنازل عن السيادة، فالموقف السوري يفرق بوضوح بين الترتيبات الإجرائية وبين الحق السيادي المطلق على كامل تراب الجولان السوري المحتل الذي لا يقبل المساومة أو التفاوض على هويته.
الرؤية السورية التي تبلورت من خلال هذا البيان والتحركات الدبلوماسية المرافقة له تؤكد أن السلام العادل هو الخيار الاستراتيجي؛ لكنه سلام يجب أن يستند إلى استعادة الحقوق كاملة غير منقوصة، فالحشد الدولي الناجح لهذا القرار يرسل إشارات واضحة بأن العالم لا يزال يميز بين الضحية والجلاد، وأن محاولات طمس الهوية السورية للهضبة المحتلة عبر القوانين المحلية الإسرائيلية لن تجد لها صدى في المحافل الدولية، وبالتالي فإن الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار الدائم يمر عبر بوابة تنفيذ القرارات الأممية وإنهاء حالة الاحتلال المستمرة منذ عقود في الجولان السوري المحتل ليعود إلى السيادة الوطنية السورية.
