الجيش الروسي يُحكم قبضته على كوبيانسك.. تحول استراتيجي يهدد خطوط الإمداد الأوكرانية

سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك باتت العنوان الأبرز في الساحة الميدانية حالياً بعد أن نقلت وكالة “تاس” الرسمية تقارير حديثة تفيد بحدوث تغيرات جوهرية في خريطة النفوذ، إذ صرحت المتحدثة باسم مجموعة “زاباد” العسكرية الروسية المنتشرة في تلك المنطقة بأن قوات الجيش الخامس قد تمكنت من إحكام قبضتها بالكامل على المدينة، ويأتي هذا التطور ليعيد تسليط الضوء على هذه الجبهة الساخنة التي لم تهدأ وتيرتها منذ بداية النزاع، حيث تتضارب الأنباء وتتداخل الخطوط الميدانية في صراع مستمر من أجل البقاء والتمركز في النقاط الحيوية.

تفاصيل إعلان سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك والموقف الميداني

أحدثت التقارير الواردة عن سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك صدى واسعاً في الأوساط المتابعة لمجريات الحرب، خاصة وأن هذا الإعلان جاء مدعوماً بتصريحات رسمية من قيادة مجموعة “زاباد” التي تقود العمليات في هذا المحور، فالأمر لا يقتصر على مجرد تقدم عسكري اعتيادي بل يشير إلى محاولة تثبيت نفوذ الجيش الخامس الروسي في منطقة شهدت معارك طاحنة، والجدير بالذكر أن روسيا كانت قد سبقت هذا الإعلان ببيانات سابقة في شهر نوفمبر تفيد بسيطرتها على المدينة ذاتها، إلا أن تلك البيانات قوبلت حينها بتأكيدات من الجانب الأوكراني تفيد بنجاح قواته في استعادة عدة أحياء سكنية ومواقع داخل المدينة، مما جعل الموقف ضبابياً لفترة من الزمن قبل صدور التحديثات الأخيرة عبر وكالة “تاس”.

تتسم المعركة حول سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك بالتعقيد الشديد نظراً للطبيعة المتغيرة لخطوط التماس، فبينما تسعى القوات الروسية لتأمين المدينة بالكامل ومنع أي اختراقات مضادة، تستمر القوات الأوكرانية في محاولاتها لكسر هذا الطوق واستعادة زمام المبادرة، وهذا الشد والجذب يعكس رغبة الطرفين في عدم التفريط في أي شبر من هذه الرقعة الجغرافية، وتظهر التقارير الميدانية أن عمليات الكر والفر لم تتوقف للحظة، حيث يتبع كل تقدم لطرف هجمات مرتدة من الطرف الآخر، مما يجعل إعلان السيطرة الكاملة مسألة تخضع لاختبارات ميدانية يومية للتأكد من قدرة القوات المسيطرة على الاحتفاظ بمواقعها أمام الضغط العسكري المستمر.

الأهمية الاستراتيجية والجغرافية لمدينة كوبيانسك في مقاطعة خاركيف

لا يمكن فصل الصراع الشرس ومحاولات سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك عن قيمتها الاستراتيجية الهائلة، فهي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من أوكرانيا وتتبع إدارياً لمقاطعة خاركيف التي تعد مسرحاً رئيسياً للعمليات، وتكتسب المدينة أهميتها القصوى من كونها عقدة مواصلات لا غنى عنها لأي طرف يرغب في تأمين خطوط إمداده، فهي تمثل مركزاً رئيسياً للسكك الحديدية التي تربط بين عدة مناطق حيوية ومحاور قتال مختلفة، مما يجعل التحكم بها بمثابة امتلاك مفتاح لوجستي قادر على تغيير موازين القوى، ولهذا السبب تحديداً تستميت الأطراف المتنازعة للظفر بها سواء لتعزيز الدفاعات أو لفتح ثغرات نحو عمق أراضي الخصم.

تتعدد الأسباب التي تجعل سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك هدفاً عسكرياً ذا أولوية قصوى، ويمكن تلخيص أبرز المقومات التي تمنح هذه المدينة ثقلها الاستراتيجي في النقاط التالية:

• الموقع الجغرافي الحاكم في شمال شرق أوكرانيا ضمن مقاطعة خاركيف الحيوية مما يجعلها بوابة للتقدم نحو مناطق أخرى.
• احتواؤها على شبكة سكك حديدية معقدة وواسعة تعمل كشريان حيوي لربط المناطق اللوجستية ببعضها البعض وتسهيل نقل العتاد والجنود.
• دورها المحوري كمركز إمداد وتموين قادر على دعم العمليات العسكرية في المحاور المجاورة وتخفيف الضغط عن الجبهات الأخرى.

المسار الزمني للصراع ومحاولات سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك

شهدت المدينة تقلبات دراماتيكية منذ اندلاع الشرارة الأولى للمواجهات، حيث كانت سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك واقعاً مفروضاً في بداية العملية العسكرية عام 2022، حينها دخلت القوات الروسية المدينة وجعلت منها مركزاً لإدارة عملياتها في المنطقة، ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، إذ شنت القوات الأوكرانية هجوماً مضاداً ناجحاً ومباغتاً في شهر سبتمبر من العام نفسه، أسفر عن استعادة المدينة وإجبار القوات الروسية على التراجع، لتعود المدينة مجدداً إلى الحضن الأوكراني لفترة من الزمن وسط احتفالات عسكرية وسياسية بهذا الإنجاز الميداني الذي اعتبر حينها نقطة تحول في مسار المعارك في خاركيف.

عادت وتيرة الأحداث للتصاعد مرة أخرى في الفترات اللاحقة، فمنذ أواخر عام 2024 بدأت المنطقة تشهد نشاطاً عسكرياً روسياً متزايداً وتقدماً تدريجياً نحو أسوار المدينة، وتلا ذلك هجوم أوكراني مضاد في عام 2025 في محاولة لصد هذا الزحف، وهو ما يوضح أن ملف سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك لم يغلق يوماً، بل ظل مفتوحاً على كافة الاحتمالات، ويبين الجدول التالي أبرز المحطات الزمنية التي مرت بها المدينة خلال سنوات الصراع:

تستمر التطورات الميدانية في رسم ملامح المشهد العسكري في المنطقة، ومع تأكيدات وكالة “تاس” الأخيرة حول سيطرة الجيش الروسي على مدينة كوبيانسك عبر الجيش الخامس، يبقى الوضع مرشحاً لمزيد من التغيرات في ظل إصرار الطرف الأوكراني على المقاومة والقيام بهجمات مرتدة لاستعادة ما خسره، مما يجعل هذه المدينة نقطة ساخنة تختصر في تفاصيلها طبيعة الصراع الممتد والمفتوح على كافة السيناريوهات المحتملة.