التنمر عدوان يوجب الإثم.. الإفتاء تغلظ حرمة “الأذى النفسي” وتغلق باب التبرير بالمزاح

التنمر عدوان يوجب الإثم.. الإفتاء تغلظ حرمة “الأذى النفسي” وتغلق باب التبرير بالمزاح

تحريم التنمر والخوض في الأعراض يعد الركيزة الأساسية التي انطلق منها الدكتور محمد كمال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية للتأكيد على موقف الشريعة الإسلامية الصارم تجاه حماية النفس البشرية وصون كرامتها؛ إذ أوضح فضيلته أن الإسلام لم يكتفِ بمجرد النهي العابر بل وضع تشريعات حاسمة تجرم كافة أشكال الإيذاء التي قد يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية سواء كان هذا الأذى جسديًا يترك أثرًا ماديًا أو نفسيًا يدمي الروح ويقتل المعنويات؛ مشددًا على أن هذه الأفعال المشينة تعد من كبائر الذنوب التي توعد الله ورسوله مرتكبيها بالعقاب الشديد لما فيها من انتهاك صارخ لحرمات الخلق وتعدٍ على الحدود التي رسمها الخالق عز وجل لحفظ تماسك المجتمع وسلامة أفراده.

مكانة تحريم التنمر والخوض في الأعراض في السنة النبوية

أصل الدكتور محمد كمال لمفهوم تحريم التنمر والخوض في الأعراض من خلال استحضار التوجيهات النبوية الشريفة التي أرست قواعد حقوق الإنسان قبل المواثيق الدولية بقرون؛ حيث أشار خلال حديثه في برنامج “الساعة 6” مع الإعلامية عزة مصطفى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من “حجة الوداع” منبرًا لإعلان دستور أخلاقي عالمي يحفظ الدماء والأموال والأعراض؛ مستشهدًا بالحديث الشريف الذي ساوى فيه النبي بين حرمة دم المسلم وحرمة عرضه وماله؛ مبينًا أن هذا الربط النبوي العميق يؤكد أن الكلمة التي تمس السمعة أو تنتهك العرض لا تقل جرمًا عند الله عن سفك الدماء أو سرقة الأموال؛ مما يستوجب على المسلم أن يكون حذرًا فطنًا لكل ما يتلفظ به لسانه تجاه الآخرين؛ فما يراه البعض مجرد كلمات عابرة أو “نهشًا بسيطًا في الأعراض” كما وصفته الإعلامية هو في ميزان الشرع جريمة نكراء تهتز لها القيم الدينية وتتنافى كليًا مع المبادئ السامية التي جاء بها الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق.

ومن خلال استعراض النصوص الشرعية التي ذكرها أمين الفتوى يمكننا تلخيص الأسس التي بنى عليها الإسلام منظومة حماية الأعراض في النقاط التالية:

  • اعتبار الخوض في الأعراض انتهاكًا لحرمة عظيمة توازي حرمة الأماكن والأزمنة المقدسة كبيت الله الحرام وشهر ذي الحجة.
  • تصنيف الإيذاء اللفظي والمعنوي ضمن كبائر الذنوب التي لا يكفرها مجرد الاستغفار بل تتطلب التحلل من المظالم.
  • التأكيد على أن صون اللسان عن أعراض الناس هو معيار أساسي لسلامة إيمان الفرد وحسن إسلامه.

الدلالات القرآنية على تحريم التنمر والخوض في الأعراض

انتقل أمين الفتوى في حديثه إلى تأصيل تحريم التنمر والخوض في الأعراض من منظور قرآني، موضحًا أن الله سبحانه وتعالى تولى بنفسه الدفاع عن المؤمنين والمؤمنات وتوعد من يؤذيهم بعذاب مهين؛ حيث استشهد فضيلته بقوله تعالى “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا”؛ واصفًا هذه الآية الكريمة بأنها تحذير رباني مباشر وشديد اللهجة لكل من تسول له نفسه إلحاق الضرر النفسي أو المعنوي بالآخرين دون وجه حق؛ ومؤكدًا أن وصف القرآن لهذا الفعل بـ “البهتان والإثم المبين” يكشف عن حجم الجرم الذي يرتكبه المتنمر أو الخائض في الأعراض؛ فالبهتان هو الكذب الفاحش الذي يبهت السامع لفظاعته وهو ما يجعل مرتكب هذا الفعل حاملًا لأوزار ثقيلة سيحاسب عليها حسابًا عسيرًا يوم القيامة؛ لأن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا فلا يرضى لعباده الذل أو الانكسار بسبب كلمات طائشة أو تصرفات عدوانية.

وفيما يلي جدول توضيحي يبين الفروق الجوهرية التي أشار إليها الدكتور محمد كمال بين أنواع الإيذاء وحكم كل منها في الشريعة:

نوع الإيذاء الوصف الشرعي والأثر المترتب
الإيذاء الجسدي تعدٍ مادي ملموس على البدن، وهو محرم قطعًا ويوجب القصاص أو الدية حسب نوع الضرر.
الإيذاء النفسي والخوض في العرض تعدٍ معنوي يكسر النفس والقلب، وصفه القرآن بالبهتان والإثم المبين، وعقوبته شديدة لأنه قد يفوق الألم الجسدي.

خطورة الإيذاء النفسي وتشديد تحريم التنمر والخوض في الأعراض

اختتم الدكتور محمد كمال رؤيته الشرعية بتسليط الضوء على الأبعاد النفسية الخطيرة التي تترتب على تجاهل تحريم التنمر والخوض في الأعراض في مجتمعاتنا؛ مؤكدًا أن التنمر ليس مجرد كلمة عابرة تطلق في لحظة مزاح أو غضب بل هو سلوك عدواني ممنهج يترك ندوبًا غائرة في روح الضحية قد لا تندمل بمرور السنين؛ بل قد يصل الأمر من شدة القسوة والألم النفسي إلى أن يتمنى الإنسان الموت خلاصًا من هذا القهر الذي يتعرض له؛ وهو ما يجعل المتنمر شريكًا في دفع أخيه الإنسان نحو الهاوية واليأس؛ ولذلك جاء التوجيه القرآني واضحًا وصريحًا “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” ليكون ترياقًا وقائيًا يحمي المجتمع من سموم الكراهية والبغضاء؛ فالكلمة الطيبة صدقة وتجبر الخواطر بينما الكلمة الخبيثة تكسر القلوب وتستجلب سخط الله؛ فكل من يتسبب في إيذاء مشاعر الآخرين عليه أن يدرك أنه يتحمل وزرًا عظيمًا ولن ينجيه من عقاب الله إلا التوبة النصوح ورد الاعتبار لمن آذاهم.

إن الالتزام بمبدأ تحريم التنمر والخوض في الأعراض هو السبيل الوحيد لبناء مجتمع متراحم يسوده الود والاحترام المتبادل؛ فالمسلم الحقيقي هو من سلم الناس من لسانه ويده، وحفظ كرامة أخيه الإنسان كما يحب أن تُحفظ كرامته، مبتعدًا عن كل ما يغضب الله من قول أو فعل مشين.

Exit mobile version