حرب السودان تضع أوروبا في مأزق استراتيجي: مخاوف نفوذ الإخوان تعقد ملف المساعدات الإنسانية

حرب السودان تضع أوروبا في مأزق استراتيجي: مخاوف نفوذ الإخوان تعقد ملف المساعدات الإنسانية

تداعيات أزمة الحرب في السودان وتأثيراتها المتصاعدة على الأمن الإقليمي والدولي شكلت المحور الرئيسي للجلسة الخاصة التي عقدها البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل؛ حيث ناقش الحاضرون أبعاد الصراع بعيدًا عن النظرة السطحية للأحداث، وقد أكد المتحدثون وفي مقدمتهم نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف أن الوضع يتطلب رؤية شاملة تعالج جذور المشكلة لضمان عدم تكرار النزاع، مشددين على أن الحلول الترقيعية لم تعد تجدي نفعًا أمام حجم الكارثة الإنسانية والسياسية التي تضرب البلاد وتهدد استقرار المنطقة بأسرها.

المطالب السياسية لمواجهة تداعيات أزمة الحرب في السودان

استعرضت الجلسة البرلمانية الأوروبية جملة من الرؤى التي قدمها القيادي في تحالف “صمود” والتي تضمنت خارطة طريق واضحة المعالم تهدف إلى محاصرة الصراع الدائر؛ حيث ركزت المطالب على ضرورة انخراط الاتحاد الأوروبي بفاعلية أكبر تتجاوز بيانات القلق التقليدية، وقد شدد يوسف على أن إنهاء الحكم العسكري وضمان عدم عودته يمثل حجر الزاوية لأي استقرار مستقبلي، موضحًا أن التساهل مع الأطراف التي تؤجج العنف سيؤدي إلى نتائج كارثية، كما أشار إلى أهمية الدور الأوروبي في دعم الآليات الدولية القائمة وعلى رأسها الرباعية الدولية، لافتًا إلى أن أي تأخير في الحسم السياسي يعني مزيدًا من الدمار وتفاقم المعاناة الإنسانية التي تجاوزت كل الحدود المحتملة في ظل انهيار مؤسسات الدولة وغياب الخدمات الأساسية.

وفي سياق متصل برزت قضية تصنيف جماعة الإخوان كملف جوهري ضمن المناقشات؛ إذ طالب يوسف بضرورة اتخاذ خطوات جريئة لتصنيف التنظيم كمنظمة إرهابية، معللًا ذلك بدورهم في تأجيج الصراع ونشر خطابات الكراهية عبر أذرعهم الإعلامية والمالية، وقد اعتبر أن هذه الخطوة ضرورية لتجفيف منابع التمويل ومحاصرة الدعاية المضللة التي تسعى لتزييف الحقائق على الأرض، وتأتي هذه المطالبات متناغمة مع التحركات الأمريكية الأخيرة، مما يستدعي موقفًا أوروبيًا مماثلًا يعزز من فرص السلام، كما تم التطرق إلى أهمية دعم بعثات تقصي الحقائق لضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم والفظائع من العقاب، فالعدالة الانتقالية والمساءلة القانونية هما الضمانة الوحيدة لمنع تكرار تداعيات أزمة الحرب في السودان مستقبلًا.

ويمكن تلخيص أبرز المطالب التي تم طرحها على الطاولة الأوروبية خلال الجلسة في النقاط الجوهرية التالية:

  • تقديم الدعم السياسي الكامل لجهود الرباعية الدولية الهادفة لإنهاء الحرب وضمان استعادة المسار المدني الديمقراطي.
  • العمل الجاد على تصنيف تنظيم الإخوان كمنظمة إرهابية لاستهداف مواردهم المالية والحد من تأثير آلتهم الإعلامية المحرضة.
  • تعزيز ودعم عمل بعثة تقصي الحقائق المستقلة لتوثيق الانتهاكات وضمان محاسبة المتورطين في جرائم الحرب.
  • مضاعفة الدعم المالي والإغاثي للاستجابة للكارثة الإنسانية المتفاقمة وتوفير الخدمات الأساسية للمتضررين.

المخاطر الأمنية والهجرة ضمن تداعيات أزمة الحرب في السودان

انتقل الحديث خلال الجلسة إلى البعد الأمني والاستراتيجي الذي يهم القارة الأوروبية بشكل مباشر؛ حيث يرى المحللون أن استمرار النزاع يخلق بيئة مثالية لنمو التهديدات العابرة للحدود، وقد أوضح الباحث ألكسندر ديل فال أن أوروبا لم تعد بمأمن من شظايا هذا الانفجار الأمني في القارة السمراء، مشيرًا إلى أن الفراغ الأمني يفسح المجال لانتشار الجماعات المتطرفة والجهادية التي تجد في الفوضى ملاذًا آمنًا للتمدد وإعادة تجميع صفوفها، وهذا الواقع يفرض على العواصم الأوروبية إعادة تقييم حساباتها الأمنية، فالمسألة لم تعد مجرد صراع داخلي في دولة أفريقية بل تحولت إلى قنبلة موقوتة تهدد الأمن القومي الأوروبي عبر بوابات الهجرة غير الشرعية وانتشار الأيديولوجيات المتطرفة التي قد تتسرب إلى الداخل الأوروبي.

وبالنظر إلى الأرقام المفزعة التي خلفتها الحرب، يتضح حجم الضغط الهائل الذي قد تواجهه دول الجوار ومن ثم أوروبا؛ إذ تسببت المعارك في أكبر موجة نزوح يشهدها العالم حاليًا، مما ينذر بتدفقات بشرية قد تعجز البنى التحتية الأوروبية عن استيعابها إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ويوضح الجدول التالي حجم الكارثة الإنسانية والنزوح الذي يعكس خطورة تداعيات أزمة الحرب في السودان على المستويين المحلي والدولي:

نوع النزوح العدد التقديري للأشخاص
إجمالي النازحين واللاجئين أكثر من 12 مليون شخص
اللاجئون إلى دول الجوار حوالي 3.5 مليون شخص

حدود الدور الأوروبي في معالجة تداعيات أزمة الحرب في السودان

ناقش الخبراء الاستراتيجيات المتاحة أمام صناع القرار في بروكسل للتعامل مع هذا الملف الشائك؛ حيث أشار ديل فال إلى أن الخيارات الأوروبية تنحصر في دعم الفاعلين المدنيين المعتدلين والحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة مع كافة الأطراف، مع التركيز المستمر على الجانب الإنساني لتقليل الخسائر البشرية، ويرى مراقبون أن الانخراط الدبلوماسي يجب أن يقترن بآليات ضغط حقيقية لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، مع التأكيد القاطع على عدم تقديم أي شكل من أشكال الدعم للجماعات المؤدلجة التي تستثمر في استمرار الفوضى، خاصة وأن تداعيات أزمة الحرب في السودان قد وفرت لهذه الجماعات فرصة ذهبية لإعادة تموضعها في المشهد السياسي والعسكري، وهو ما يشكل خطرًا داهمًا يجب التنبه له قبل فوات الأوان.

على الجانب الآخر، تبرز أصوات تشكك في قدرة أوروبا على إحداث تغيير جذري في مسار الأحداث؛ إذ أوضح جاسم محمد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب أن السجل الأوروبي في إدارة النزاعات الدولية الأخيرة، كما حدث في أوكرانيا وغزة وليبيا، يكشف عن ضعف واضح في القدرة على التأثير المباشر، فالأدوات الأوروبية تظل محدودة وغالبًا ما تكتفي بالدور الإغاثي والدبلوماسي الناعم دون القدرة على فرض وقائع ميدانية، ومع ذلك، يظل القلق سيد الموقف داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، لأن استمرار حالة اللااستقرار في السودان يعني استمرار تدفق التهديدات الأمنية وموجات اللجوء، مما يجعل تداعيات أزمة الحرب في السودان هاجسًا يؤرق مضاجع الأمن الأوروبي رغم محدودية وسائل التدخل المتاحة.

تشير القراءات المعمقة لمجريات الأحداث إلى أن الملف السوداني بات يتجاوز حدوده الجغرافية ليصبح قضية أمن عالمي بامتياز؛ فالترابط الوثيق بين استقرار القرن الأفريقي والأمن الأوروبي يفرض واقعًا جديدًا يتطلب تحركًا يتجاوز حدود المساعدات التقليدية، ويؤكد أن إهمال معالجة تداعيات أزمة الحرب في السودان سيكلف المجتمع الدولي ثمنًا باهظًا على كافة الأصعدة الأمنية والإنسانية.

Exit mobile version