
الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا يشهد تحولات جذرية في الآونة الأخيرة، إذ أكد مسؤول إيفواري رفيع المستوى في مجال مكافحة الإرهاب أن واشنطن وأبيدجان قد توصلتا بالفعل إلى اتفاق شبه نهائي حول الترتيبات الأمنية الإقليمية؛ حيث تبقت فقط مسألة التوقيت التي لم تُحسم بعد، ويأتي هذا التحرك الاستراتيجي لتعويض الفراغ الذي خلفه فقدان الولايات المتحدة لقاعدتها المحورية في المنطقة العام الماضي.
تحديات الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا بعد انسحاب النيجر
فقدت واشنطن قدرتها على الوصول إلى قاعدتها الرئيسية للطائرات المسيرة التي بلغت تكلفتها 100 مليون دولار، وذلك عندما قررت النيجر طرد القوات الأمريكية واللجوء إلى روسيا للحصول على المساعدة الأمنية، مما خلق ثغرة كبيرة في الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا وأثر سلبًا على تدفق المعلومات الاستخباراتية الحيوية حول تحركات الجماعات المتشددة؛ حيث كانت القاعدة توفر بيانات دقيقة عن الفصائل المتحالفة مع تنظيمي القاعدة وداعش عبر منطقة الساحل الشاسعة التي باتت بؤرة ملتهبة للعنف، وتشير الإحصائيات المرعبة إلى أن المنطقة شهدت 3,885 حالة وفاة العام الماضي منسوبة إلى الإرهاب، وهو رقم يمثل نصف إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب عالميًا وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي.
| العنصر الأمني | التفاصيل والإحصائيات |
|---|---|
| تكلفة قاعدة المسيرات في النيجر | 100 مليون دولار أمريكي |
| وفيات الإرهاب في الساحل (العام الماضي) | 3,885 حالة وفاة |
| نسبة الوفيات عالميًا | 50% من الإجمالي العالمي |
تفاقم الوضع الأمني المعقد وأظهر بوضوح هشاشة الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا خلال شهر أكتوبر الماضي، عندما تم اختطاف طيار أمريكي يعمل لدى وكالة تبشيرية مسيحية في عاصمة النيجر على يد جهاديين مشتبه بهم، وهي حادثة كشفت عن نقص حاد في المعلومات الاستخباراتية لدى واشنطن في تلك المنطقة؛ حيث صرح المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية، كاميرون هدسون، بمرارة قائلًا إنه لا توجد لديهم أي أصول للمساعدة في عملية الاسترداد، متسائلًا عن كيفية تنفيذ عملية إنقاذ في ظل غياب معلومات استخباراتية تحدد مكان الضحية أو ظروف احتجازه، بينما شدد السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، على أن الولايات المتحدة لا يمكنها بأي حال تجاهل الخطر المتزايد المتمثل في داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين وفروعهم التي تشدد قبضتها، وهو ما يستدعي إعادة تقييم شاملة لاستراتيجية الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا لضمان حماية المصالح والحلفاء.
موقف ترامب والتهديدات التي تواجه الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا
وجه الرئيس دونالد ترامب اهتمامه المباشر نحو هذه المنطقة المضطربة، مهددًا باتخاذ تحركات عسكرية في نيجيريا بسبب ما وصفه بالفشل الذريع في منع الهجمات الجهادية المتكررة على المسيحيين، وهو تصعيد يضيف طبقة جديدة من التعقيد على الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا والعلاقات الدبلوماسية مع دول القارة؛ حيث أوضح المبعوث الأمريكي الأعلى إلى إفريقيا، جوناثان برات، أن واشنطن تعكف حاليًا على دراسة خيارات متعددة لدفع الحكومة النيجيرية نحو حماية المجتمعات المسيحية بشكل أكثر فاعلية، في حين ردت نيجيريا بدفاع قوي عن موقفها مؤكدة أنها تعمل بجد على حماية الحرية الدينية، وأن البلاد تواجه إرهابًا عشوائيًا وليس اضطهادًا ممنهجًا للمسيحيين، مشيرة إلى أن الوضع الأمني يتسم بتعقيد شديد يتجاوز التفسيرات الدينية المبسطة.
التنافس الروسي ومستقبل الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا
حاولت إدارة جو بايدن تدارك الموقف بعد الطرد من النيجر، فقامت لفترة قصيرة بإعادة نشر طائرتين للمراقبة من طراز BE-350 في قاعدة بساحل العاج، التي تشترك في حدود حساسة مع مالي وبوركينا فاسو، بهدف توفير معلومات استخباراتية جوية تدعم الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا، وذلك وفقًا لتأكيدات مسؤولين إيفواريين ومسؤول أمريكي سابق مطلع؛ ولكن سرعان ما تم سحب هذه الطائرات في شهر يناير عقب مغادرة بايدن لمنصبه، وعزا مسؤولان أمريكيان هذا الانسحاب السريع جزئيًا إلى رفض دول الجوار، وتحديدًا مالي والنيجر وبوركينا فاسو، السماح للطائرات الأمريكية بالتحليق فوق أراضيها لجمع المعلومات، مما جعل تلك الطائرات غير نشطة فعليًا وغير قادرة على تحقيق أهدافها.
- رفض مالي والنيجر وبوركينا فاسو منح تصاريح الطيران فوق أراضيها.
- عدم فعالية الاستراتيجية الروسية في تقديم دعم عسكري ناجح للدول الأفريقية.
- الحاجة الماسة لسد الفجوة الاستخباراتية لمكافحة الجماعات المتطرفة.
على الرغم من هذه النكسات المتتالية، تلوح في الأفق مؤشرات إيجابية تشير إلى أن الوجود الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا قد يستعيد بعضًا من زخمه، حيث يبدو أن استراتيجية الدول التي ابتعدت عن الحلفاء الغربيين ولجأت إلى روسيا للحصول على الدعم العسكري لم تحقق النتائج المرجوة، وهو ما قد يفتح الباب مجددًا لتعاون أوثق مع واشنطن لمواجهة التهديدات المشتركة.
