
الغيرة بين الإخوة تُعد واحدة من أكثر الظواهر النفسية والتربوية شيوعًا التي تواجهها العائلات في مختلف المجالات الثقافية، لا سيما عندما تزداد الأسرة فردًا جديدًا بقدوم مولود يغير موازين الاهتمام والرعاية داخل المنزل، فبدلًا من أن تغمر مشاعر الفرح والسعادة قلب الطفل الأول، قد يجد نفسه فريسة لمخاوف عميقة تتعلق بفقدان مكانته المميزة لدى والديه، مما يدفعه للتعبير عن هذا الاضطراب الداخلي بسلوكيات متباينة تتراوح بين البكاء الهيستيري والعناد غير المبرر، أو حتى رفض المولود الجديد وإظهار العدوانية تجاهه، وهي ردود أفعال فطرية تتطلب من الآباء وعيًا كبيرًا لاحتوائها بدلاً من قمعها بالعقاب.
أهمية فهم دوافع الغيرة بين الإخوة والتعامل معها بحكمة
إن التعامل السليم مع مشاعر الأطفال يتطلب إدراكًا عميقًا بأن ما يظهرونه من سلوكيات مزعجة ليس إلا نداءً صامتًا للحصول على الاطمئنان والأمان العاطفي، حيث أوصى خبراء التربية وموقع Parents بضرورة تبني استراتيجيات محددة لتقليل حدة التوتر المنزلي، فالمشاعر التي تتولد لدى الطفل ليست نابعة من الكره بقدر ما هي نابعة من الخوف على مكتسباته العاطفية، وهنا يأتي دور الوالدين المحوري في إعادة صياغة هذا المفهوم لدى الطفل عبر الاحتواء والحب غير المشروط، وتجنب التوبيخ الذي قد يفاقم المشكلة ويحول الغيرة الطبيعية إلى عقدة نفسية مستمرة، ولذلك سنستعرض مجموعة من الخطوات العملية والسلوكية التي تساهم في إذابة الجليد بين الأبناء وتعزيز الروابط الأسرية بشكل صحي ومتوازن.
استراتيجيات عملية لتقليل الغيرة بين الإخوة وتعزيز الثقة
يُعتبر تخصيص وقت نوعي للطفل الأكبر حجر الزاوية في علاج مشكلة الغيرة بين الإخوة، حيث أن السبب الرئيسي لتفاقم هذه المشاعر هو إحساس الطفل بأن اهتمام والديه قد انتقل كليًا للضيف الجديد، لذا من الضروري أن يقتطع أحد الوالدين وقتًا يوميًا، ولو كان قصيرًا، ليكون مخصصًا بالكامل للطفل الأكبر دون مشتتات، يتم فيه اللعب أو الحديث أو الإنصات له بتركيز تام، وهذا التواصل الحصري يعيد له ثقته بنفسه ويؤكد له أن مكانته في القلب لم تتزعزع، كما يلعب الأب دورًا حيويًا في هذه المرحلة، خاصة حين تكون الأم مستنزفة في رعاية الرضيع، حيث يمكن للأب أن يوفر الدعم العاطفي والنشاط الحركي الذي يحتاجه الطفل لاستعادة توازنه النفسي.
إلى جانب الوقت الخاص، تأتي أهمية دمج الطفل في المسؤولية كعنصر فعال في المعالجة، فبدلًا من عزله بحجة عدم إزعاج المولود، يفضل تحويله إلى شريك في الرعاية، فالأطفال يعشقون الشعور بالأهمية والقدرة على المساعدة، ويمكن تكليفهم بمهام بسيطة تتناسب مع أعمارهم وتجعلهم يشعرون بالفخر بلقب “الأخ الكبير”، وهذه المشاركة تحول طاقة الغيرة السلبية إلى طاقة حب ومسؤولية إيجابية تجاه الأخ الأصغر، وفيما يلي قائمة ببعض المهام التي يمكن إسنادها للطفل لتعزيز دوره:
- المساعدة في اختيار ملابس المولود الجديد وألوانها لتعزيز ذوقه وشخصيته.
- إحضار الحفاضات أو أدوات الاستحمام للأم عند الحاجة.
- المشاركة في الغناء للطفل أو محاولة تهدئته بصوت هادئ ولطيف.
- المساعدة في ترتيب سرير أو ألعاب الأخ الصغير تحت إشراف الوالدين.
تجنب المقارنات واحتواء المشاعر لإنهاء الغيرة بين الإخوة
تُعد المقارنة “السم القاتل” لأي علاقة سوية بين الأشقاء، وهي المحرك الأول لتأجيج نيران الغيرة بين الإخوة داخل الأسرة، فاستخدام عبارات مثل “انظر كيف يتصرف أخوك بذكاء” أو “لماذا لا تكون هادئًا مثل أخيك” يزرع بذور الحقد والكراهية بدلاً من التحفيز، حيث تضع هذه الكلمات الطفل في منافسة خاسرة وغير عادلة، وتجعله يرى شقيقه كخصم يهدد وجوده وليس كرفيق درب، وبدلاً من ذلك يجب التركيز على تعزيز السلوكيات الإيجابية الفردية لكل طفل على حدة، واستخدام لغة التشجيع والثناء على الأفعال الطيبة التي يقوم بها الطفل الأكبر، مثل قول “أنا فخور بك لمساعدتك لي اليوم”، مما يرسخ لديه قناعة بأن الحب والتقدير يُمنحان بناءً على سلوكه الجيد وشخصيته المستقلة، وليس بناءً على تفوقه على الآخرين.
علاوة على ذلك، يجب على الوالدين التعامل مع مشاعر الطفل بجدية تامة وعدم الاستهانة بها أو السخرية منها، فالغيرة رد فعل فطري وليست دليلاً على الأنانية، وعندما يعبر الطفل عن انزعاجه من استحواذ المولود على وقت الأم، يجب أن يُقابل هذا البوح بالتفهم والاحتواء اللفظي والجسدي، ويمكن تلخيص الفروقات بين الأسلوب الخاطئ والصحيح في التعامل مع هذه المشاعر من خلال الجدول التالي:
| التصرف الخاطئ (يزيد الغيرة) | التصرف الصحيح (يقلل الغيرة) |
|---|---|
| توبيخ الطفل عند إظهار الغضب من المولود | احتواء مشاعره والقول: “أعلم أنك منزعج، وأنا أحبك” |
| مقارنة سلوكه بسلوك أخيه الأصغر أو الأكبر | مدح سلوكه الإيجابي بشكل منفصل عن إخوته |
| عزل الطفل الأكبر عن جو العناية بالمولود | إشراكه في مهام بسيطة تشعره بالمسؤولية والفخر |
إن النجاح في إدارة ملف الغيرة بين الإخوة يعتمد بشكل كلي على الصبر والحكمة في إدارة المواقف اليومية، فالطفل بحاجة دائمة لسماع كلمات الطمأنة التي تؤكد له أنه ما زال “أغلى الناس” وأن حب الوالدين لا ينقص بالعدد بل يتضاعف ليشمل الجميع، وهذا الأمان العاطفي هو الحصن المنيع الذي يحمي نفسية الطفل ويؤسس لعلاقة أخوية متينة تدوم مدى الحياة.
