
حرب محتملة مع روسيا باتت الهاجس الأكبر الذي يسيطر على العواصم الأوروبية في الآونة الأخيرة، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع تصريحات قلقة من قادة عسكريين أو مسؤولين حكوميين تنذر بخطر اقتراب نزاع مسلح كبير، وهذا التواتر في الخطاب التشاؤمي يعكس تحولاً نفسياً عميقاً داخل قارة كانت قد تأسست بعد الحربين العالميتين على مبادئ الازدهار الاقتصادي والسلام المشترك، لتجد نفسها اليوم أمام واقع مغاير تماماً يفرض عليها إعادة حساباتها الأمنية والاستراتيجية بشكل جذري؛ خاصة مع التقارير الصحفية التي تصف هذه التحولات بأنها انقلاب في المفاهيم التي قامت عليها أوروبا الحديثة.
التحذيرات السياسية والعسكرية من حرب محتملة مع روسيا
تتصاعد المؤشرات المقلقة يوماً بعد يوم، حيث شبه المستشار الألماني فريدريش ميرتس استراتيجية بوتين الحالية في أوكرانيا بما فعله هتلر عام 1938 عند استيلائه على إقليم السوديت، محذراً من أن الأطماع الروسية قد لا تتوقف عند الحدود الأوكرانية، وتزامن هذا التشبيه التاريخي المخيف مع تصريحات مارك روته، الأمين العام لحلف الناتو، الذي أكد أن الحرب باتت على الأبواب وأن موسكو قد تكون جاهزة لاستخدام القوة ضد الحلف خلال خمس سنوات، وفي السياق ذاته، نبه رئيس أركان الجيش الفرنسي إلى ضرورة استعداد بلاده لتقبل الخسائر البشرية، مشيراً إلى أن فرنسا لم تعد بمنأى عن الخطر؛ وتتفاقم هذه المخاوف مع قلق العواصم الأوروبية من توجهات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات النزعة الانعزالية، والخشية من فرض اتفاق سلام غير متكافئ في أوكرانيا يترك كييف عرضة لهجوم مستقبلي، ورغم أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الأخيرة تجنبت تصنيف موسكو كعدو صريح سعياً للاستقرار، إلا أن تقييم الاستخبارات البريطانية جاء مغايراً ومحذراً من استمرار روسيا في زعزعة استقرار القارة، مما يضع أوروبا أمام معضلة حقيقية في ظل تباين الرؤى حول كيفية التعامل مع أي حرب محتملة مع روسيا.
الجاهزية المجتمعية والاقتصادية لسيناريو حرب محتملة مع روسيا
يواجه القادة الأوروبيون تحدياً هائلاً يتمثل في إعادة غرس العقلية العسكرية لدى شعوب اعتادت على الرفاهية والسلم لعقود طويلة، حيث تم توجيه الموارد المالية تاريخياً نحو الإنفاق الاجتماعي بدلاً من التسلح، وتشير استطلاعات الرأي الحديثة إلى فجوة كبيرة في الاستعداد النفسي للقتال، إذ أبدى ثلث الأوروبيين فقط استعدادهم للدفاع عن بلدانهم مقارنة بنسبة أعلى في الولايات المتحدة، وهذا ما دفع الأدميرال الهولندي المتقاعد روب باور للتأكيد على ضرورة استعداد أوروبا للقتال كسبيل وحيد للحفاظ على السلام وردع الطموحات الروسية؛ وتستند هذه الدعوات إلى بيانات استخباراتية تظهر أن المجمع الصناعي العسكري الروسي يعمل بطاقة إنتاجية تفوق احتياجاته في حرب أوكرانيا، مما يعني قدرة موسكو على إعادة بناء قوتها الهجومية لتهديد أوروبا بسرعة غير متوقعة، وهو ما يجعل سيناريو اندلاع حرب محتملة مع روسيا أكثر واقعية وخطورة مما كان يعتقده الكثيرون في السابق.
الحروب الهجينة والخطط الدفاعية لصد حرب محتملة مع روسيا
يرى القادة الأمنيون في أوروبا أن المواجهة قد بدأت بالفعل ولكن بصور غير تقليدية، حيث تشن موسكو حرباً هجينة تهدف إلى ضرب الاقتصاد الأوروبي وزعزعة الاستقرار الداخلي، وتشمل هذه الأنشطة سلسلة من العمليات التخريبية التي طالت مرافق حيوية، ورغم نفي الكرملين المتكرر وتصريح بوتين بأن فكرة غزو دول أخرى هي مجرد كذبة، إلا أن السلطات الألمانية وجهت اتهامات مباشرة لروسيا بالوقوف وراء هجمات سيبرانية استهدفت إدارة الحركة الجوية والتدخل في الانتخابات عبر نشر المعلومات المضللة، ويعتقد المسؤولون أن حملات التجسس والتخريب هذه تهدف بالأساس إلى إعاقة خطوط الإمداد اللوجستية للناتو وتأخير وصول التعزيزات للجبهة الشرقية في حال وقوع صدام مسلح؛ وتتخذ هذه الهجمات أشكالاً متعددة تشمل ما يلي:
- هجمات سيبرانية معقدة تستهدف الشركات والبنى التحتية الرقمية.
- عمليات تخريب مادي وحرائق متعمدة في المستودعات ومراكز التسويق.
- محاولات اختراق الأجواء الأوروبية باستخدام الطائرات المسيرة.
- نشر المعلومات المضللة للتأثير على الرأي العام والانتخابات.
ولمواجهة هذا التصعيد والتحضير لأي سيناريو يتضمن حرب محتملة مع روسيا، اتخذت الدول الأوروبية خطوات استباقية ملموسة، حيث أعلنت فرنسا نيتها إعادة التجنيد الإلزامي، بينما تجري ألمانيا تدريبات ومحاكاة لنقل القوات بسرعة إلى الجبهات، وقررت بريطانيا حصر تدريباتها العسكرية داخل القارة للتركيز على التهديد الروسي المباشر، وبالتوازي مع هذه التحركات الميدانية، التزم أعضاء الناتو بزيادة ملحوظة في الإنفاق الدفاعي وتحصين البنية التحتية، وهو ما يوضحه الجدول التالي الذي يبين التغيرات المستهدفة في الميزانيات:
| نوع الإنفاق المستهدف | النسبة من الناتج الاقتصادي |
|---|---|
| الإنفاق الدفاعي الحالي (المتوسط) | 2% |
| هدف الإنفاق الدفاعي بحلول 2035 | 3.5% |
| مخصصات الإجراءات الأمنية المرافقة | 1.5% |
تتسارع الأحداث وتتغير المعطيات على الأرض بشكل يضع القارة العجوز أمام اختبار تاريخي صعب، فبينما تسعى الحكومات لتعزيز دفاعاتها وتحضير شعوبها لأسوأ الاحتمالات، تظل المخاوف قائمة من أن تكون وتيرة التسلح الروسي والهجمات الهجينة أسرع من رد الفعل الأوروبي، مما يبقي الباب مفتوحاً أمام كافة السيناريوهات، بما في ذلك الانزلاق نحو مواجهة شاملة تعيد رسم خريطة العالم الجيوسياسية من جديد.
