هجوم سيبراني على البرلمان الألماني بات حديث الأوساط السياسية والأمنية مؤخرًا بعد تقارير بريطانية كشفت عن اختراق أمني خطير، فقد نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن ثلاثة نواب تأكيدهم أن أعضاء البرلمان واجهوا شللاً تامًا في الوصول إلى حسابات بريدهم الإلكتروني استمر لأكثر من أربع ساعات متواصلة، وهو حدث لم يكن عابرًا بل تزامن بدقة مريبة مع توقيتات سياسية حساسة للغاية تتعلق بالملف الأوكراني وزيارات دبلوماسية رفيعة المستوى داخل برلين.
تزامن هجوم سيبراني على البرلمان الألماني مع زيارة زيلينسكي
أفاد أحد النواب بأن بداية التعطل الرقمي تزامنت تمامًا مع لحظة دخول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى مبنى “البوندستاغ” لإجراء محادثات هامة مع رئيسة المجلس يوليا كلوكنر، مما يضفي طابعًا سياسيًا معقدًا على الحادثة، وقد صرح مصدر حكومي مطلع بأنه من المشتبه بقوة أن يكون انقطاع خدمات البريد الإلكتروني عبارة عن هجوم سيبراني انتقامي تم التخطيط له بعناية، وتأتي هذه الشكوك على خلفية التوتر الدبلوماسي المتصاعد عقب قرار ألمانيا استدعاء السفير الروسي إلى وزارة الخارجية في الأسبوع الماضي، وهو الاستدعاء الذي جاء بسبب مزاعم برلين بوجود أعمال تخريب وحرب هجينة تشنها روسيا ضد المصالح الألمانية بشكل ممنهج ومستمر.
أضاف المصدر الحكومي في تصريحاته تلميحًا قويًا حول الجهة المسؤولة قائلاً إنهم يعرفون على الأرجح من أين أتى هذا الهجوم، ولم يكن هذا الحدث معزولاً عن الحراك الدبلوماسي الدولي، فقد وقع الحديث عن الاختراق بعد وقت قصير جدًا من انتهاء محادثات مفصلية بين الرئيس زيلينسكي وستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، حيث دارت تلك النقاشات حول تسوية محتملة تهدف لإنهاء الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ فبراير 2022، وهو ما يجعل أي هجوم سيبراني على البرلمان الألماني في هذا التوقيت رسالة سياسية واضحة المعالم تتجاوز مجرد القرصنة التقنية التقليدية.
أبعاد الحرب الهجينة وراء هجوم سيبراني على البرلمان الألماني
اتهمت الحكومة الألمانية موسكو في الأسبوع الماضي بإدارة حملة تضليل إعلامية واسعة النطاق تهدف بشكل خبيث إلى زرع الانقسامات والشقاق داخل المجتمع الألماني، وفي سياق متصل حذر فريدريش ميرتس مرارًا وتكرارًا من أن روسيا تشن حربًا فعلية على القارة الأوروبية وعلى ألمانيا بشكل خاص، وتتمثل أدوات هذه الحرب في شن هجمات سيبرانية وأعمال تخريب شبه يومية تستهدف البنية التحتية والمؤسسات السيادية، وتتعدد أشكال هذه التهديدات التي تواجهها برلين لتشمل نطاقًا واسعًا من الأنشطة العدائية التي تم رصدها وتوثيقها من قبل الأجهزة الأمنية المختصة:
- شن حملات تضليل إعلامي ممنهجة لزعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي الداخلي.
- تنفيذ هجوم سيبراني على البرلمان الألماني ومؤسسات حكومية لتعطيل العمل وسرقة البيانات.
- تنفيذ أعمال تخريب مادي ورقمي تندرج تحت مسمى الحرب الهجينة ضد المصالح الأوروبية.
سوابق التجسس وتكرار هجوم سيبراني على البرلمان الألماني
تاريخ المبنى التشريعي الألماني مع القرصنة ليس جديدًا، فقد سبق أن كان مبنى مجلس النواب هدفًا لهجمات مكثفة من القراصنة الروس في عام 2015، حيث أكدت الاستخبارات البريطانية في تقارير سابقة أن كمية كبيرة وضخمة من البيانات الحساسة قد سُرقت في هجوم طال حسابات بريد إلكتروني تابعة لعدة نواب، واللافت في تلك الحادثة أنها شملت أيضًا اختراق حسابات المستشارة الألمانية آنذاك أنغيلا ميركل، مما يؤكد أن تكرار هجوم سيبراني على البرلمان الألماني اليوم هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد لاستهداف عصب القرار السياسي في برلين.
في تطور لافت للأحداث خلال الأسبوع الماضي، صرحت الحكومة الألمانية بأن تعطل حركة الملاحة الجوية الذي حدث في أغسطس 2024 يمكن نسبه بوضوح إلى مجموعة قراصنة روس معروفين باسم “فانسي بير”، إضافة إلى تورط جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي في هذه العمليات، ولتوضيح التسلسل الزمني لهذه الانتهاكات والجهات المتهمة بها يمكن النظر إلى البيانات التالية التي تلخص المشهد الأمني الرقمي المتوتر بين البلدين:
| الحدث أو الهجوم | الجهة المتهمة بالتنفيذ |
|---|---|
| سرقة بيانات نواب ومكتب ميركل (2015) | قراصنة روس وجهاز الاستخبارات |
| تعطيل الملاحة الجوية (أغسطس 2024) | مجموعة “فانسي بير” والاستخبارات العسكرية الروسية |
رغم تواتر هذه الاتهامات وتصاعد الأدلة التقنية التي تشير إلى تورط مجموعات مدعومة من موسكو، إلا أن سفارة روسيا في برلين سارعت كعادتها إلى نفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، معتبرة إياها ادعاءات لا أساس لها من الصحة في ظل مناخ سياسي مشحون، ومع ذلك يظل تكرار أي هجوم سيبراني على البرلمان الألماني مصدر قلق دائم للأمن القومي الألماني والأوروبي على حد سواء.
