
دور النشاط البدني في الوقاية من السرطان يعتبر من أهم الاستراتيجيات الصحية التي يمكن للفرد تبنيها لضمان حياة طويلة وخالية من الأمراض، حيث تتجاوز فوائد الحركة المستمرة مجرد تحسين اللياقة البدنية أو إنقاص الوزن لتصل إلى حماية الخلايا من التحولات غير الطبيعية، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الأشخاص الذين يلتزمون بنمط حياة نشط يتمتعون بمناعة أقوى وقدرة أعلى على صد الهجمات المرضية، مما يجعل الرياضة درعًا واقيًا ضروريًا لكل الفئات العمرية.
كيف يعزز دور النشاط البدني في الوقاية من السرطان الصحة العامة؟
كشفت الأبحاث المكثفة التي أجراها المعهد الوطني الأمريكي للسرطان عن وجود علاقة وطيدة ومباشرة بين الحركة المستمرة وانخفاض معدلات الإصابة بالأورام الخبيثة، إذ تبين أن الخمول والكسل يعدان من العوامل الرئيسية التي تزيد من احتمالية التعرض لهذه المخاطر الصحية، وتشير البيانات إلى أن ممارسة الأنشطة المختلفة بانتظام، سواء كانت رياضة احترافية أو مجرد أعمال منزلية يومية، تساهم بشكل فعال في تقليل نسب الإصابة بأنواع متعددة من السرطانات، ويمكن تلخيص أبرز النسب المئوية لانخفاض المخاطر التي يحققها الأشخاص النشطون مقارنة بغيرهم في الجدول التالي:
| نوع السرطان | نسبة انخفاض الخطر عند النشطين |
|---|---|
| سرطان المريء | انخفاض بنسبة 21% |
| سرطان الكلى | انخفاض يتراوح بين 12% و 23% |
| سرطان بطانة الرحم | انخفاض بنحو 20% |
| سرطان القولون | انخفاض بنسبة 19% |
| سرطان المعدة | انخفاض بنسبة 19% |
| سرطان الثدي | انخفاض يتراوح بين 12% و 21% |
| سرطان المثانة | انخفاض يتراوح بين 13% و 15% |
يتضح من الأرقام السابقة أن دور النشاط البدني في الوقاية من السرطان لا يقتصر على نوع واحد فقط بل يشمل طيفًا واسعًا من الأعضاء الحيوية في الجسم، وحتى في حالات سرطان الرئة توجد مؤشرات إيجابية للرياضة رغم أن التدخين يبقى العامل المؤثر الأكبر، ومن المهم فهم أن النشاط البدني لا يعني بالضرورة الانخراط في سباقات الماراثون الشاقة، بل يشمل أي حركة تستهلك طاقة تتجاوز وضع الراحة، مثل المشي السريع، ركوب الدراجات، السباحة، وحتى الرقص وتنظيف المنزل، حيث يستخدم العلماء مقياس “معدل الأيض” (MET) لتصنيف هذه الأنشطة، فالأنشطة الخفيفة تستهلك أقل من 3 وحدات، والمتوسطة بين 3 و6 وحدات، بينما الشاقة تتجاوز 6 وحدات، وفي المقابل يمثل الجلوس الطويل أمام الشاشات أو أثناء القيادة خطرًا تراكميًا يهدد الصحة حتى لمن يتمرنون لفترات قصيرة يوميًا.
آليات تأثير ودور النشاط البدني في الوقاية من السرطان
يتساءل الكثيرون عن الأسباب البيولوجية التي تجعل الحركة دواءً فعالًا ضد الأورام، والإجابة تكمن في التغييرات الفسيولوجية العميقة التي تحدثها الرياضة داخل أجسادنا، فعندما يتحرك الإنسان بانتظام، يبدأ الجسم في تنظيم العمليات الحيوية بطريقة تقلل من البيئة الخصبة لنمو الخلايا السرطانية، وهذا التأثير الوقائي لا يحدث بالصدفة بل هو نتاج تفاعلات معقدة ومفيدة تشمل تحسين وظائف الجهاز المناعي وضبط معدلات الهرمونات، ويمكن تلخيص أبرز الآليات التي يعمل من خلالها النشاط البدني في النقاط التالية:
- خفض مستويات الهرمونات المحفزة لنمو الأورام مثل الأنسولين والإستروجين بشكل ملحوظ.
- تسريع مرور الطعام عبر الجهاز الهضمي مما يقلل فترة تعرض الأمعاء للمواد الضارة والسموم.
- تحسين كفاءة الجسم في التعامل مع الأحماض الصفراوية ومنع تراكمها الضار.
- تقليل مستويات الالتهاب المزمن في الجسم والذي يعد بيئة خصبة لنشوء الأمراض.
- تعزيز قدرة الجهاز المناعي على اكتشاف الخلايا غير الطبيعية ومحاربتها مبكرًا.
- المساعدة في الحفاظ على وزن صحي وتجنب السمنة التي تعد عامل خطر رئيسي للسرطان.
تؤكد هذه النقاط أن تفعيل دور النشاط البدني في الوقاية من السرطان يعتمد على استجابة الجسم الإيجابية للجهد العضلي، فكلما زاد معدل الحركة المنتظمة، كلما انخفضت مستويات الالتهابات وتحسنت حساسية الأنسولين، مما يخلق بيئة داخلية طاردة للأمراض، وهذا يفسر لماذا ينصح الأطباء دائمًا بضرورة كسر فترات الجلوس الطويلة والحرص على الحركة الدورية لتنشيط الدورة الدموية وتحفيز هذه العمليات الحيوية الدفاعية.
التوصيات العالمية حول دور النشاط البدني في الوقاية من السرطان
لتحقيق أقصى استفادة من الحركة وتفعيل دور النشاط البدني في الوقاية من السرطان بشكل صحيح، وضعت المؤسسات الصحية إرشادات واضحة للبالغين، حيث يُنصح بممارسة نشاط بدني معتدل الشدة لمدة تتراوح بين 150 إلى 300 دقيقة أسبوعيًا، أو استبدالها بنشاط عالي الشدة لمدة 75 إلى 100 دقيقة، ويمكن المزج بين النوعين لتحقيق التوازن المطلوب، كما يفضل إضافة تمارين تقوية العضلات مرتين أسبوعيًا على الأقل لضمان صحة الهيكل العظمي والعضلي، وبالنسبة لكبار السن يُنصح بدمج تمارين التوازن لتجنب السقوط وتحسين القدرة الحركية، فالمهم هو الاستمرارية وتقسيم الجهد على مدار الأسبوع لضمان عدم الإجهاد وتحقيق الفائدة المرجوة.
لا يتوقف الأمر عند الوقاية فقط، بل يمتد ليشمل المتعافين من المرض، حيث أثبتت الدراسات أن ممارسة الرياضة آمنة ومفيدة لمعظم الناجين من السرطان، فهي تساهم في تخفيف أعراض القلق والاكتئاب المصاحبة لمرحلة العلاج، وتقلل من الشعور بالإرهاق المزمن، وترفع من جودة الحياة بشكل عام، بل وتشير الأدلة العلمية إلى أن الحركة المنتظمة قد تزيد من فرص البقاء على قيد الحياة وتقلل احتمالية عودة المرض خاصة في حالات سرطان الثدي والقولون والبروستاتا، لذا يجب على المتعافين استشارة أطبائهم والبدء ببرنامج رياضي متدرج يناسب حالتهم الصحية لتعزيز الشفاء واستعادة الحيوية.
