مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة: دراسة حديثة تنفي تأثير الأدوية على نمو دماغ الطفل

مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة: دراسة حديثة تنفي تأثير الأدوية على نمو دماغ الطفل

تناول مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة هو قضية محورية تشغل تفكير العديد من الأمهات اللواتي يسعين للحفاظ على استقرارهن النفسي دون تعريض أطفالهن لأي مخاطر محتملة، وقد جاءت دراسة بحثية جديدة لتضع حداً لهذه المخاوف حيث أكدت النتائج المنشورة عبر موقع “Medical Xpress” نقلاً عن مجلة “JAMA Network” أن العلاج الدوائي للأم لا يؤثر سلباً على نمو دماغ الطفل أو قدراته المعرفية، وتم التوصل لهذه الخلاصة بعد تتبع دقيق لزوج من الأمهات والأبناء استمر لما يقرب من عقدين من الزمن، مما يقدم أدلة علمية قوية تدعم خيار مواصلة العلاج النفسي الضروري للأم.

آلية عمل الأدوية وتأثير تناول مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة

تعتبر مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) من أكثر فئات الأدوية شيوعاً التي يصفها الأطباء للتعامل مع اضطرابات مثل الاكتئاب الحاد والقلق وحتى الشره المرضي، وتعتمد فكرة عمل هذه العقاقير بشكل أساسي على إبقاء الناقل العصبي المعروف باسم السيروتونين نشطاً داخل الدماغ لفترات أطول، ففي الظروف العادية تقوم الخلايا العصبية بإعادة امتصاص السيروتونين بعد إتمام مهمته في نقل الإشارات، ولكن هذه الأدوية تعمل على إعاقة عملية إعادة الامتصاص تلك لضمان بقاء السيروتونين متاحاً وهو ما يساهم في تحسين المزاج العام، ورغم الفعالية الكبيرة لهذه الأدوية في تحسين جودة حياة الكثيرين إلا أن التساؤلات حول أمان تناول مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة تظل هاجساً يؤرق النساء الحوامل والمرضعات، حيث يدفع الخوف من انتقال المواد الكيميائية عبر حليب الثدي وتأثيرها المحتمل على نمو دماغ الرضيع العديد من الأمهات إلى اتخاذ قرارات صعبة بوقف الدواء، وهو ما قد يعرضهن لانتكاسات صحية تؤثر على قدرتهن على رعاية الطفل.

منهجية الدراسة في تقييم أمان تناول مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة

اعتمد الباحثون في هذه الدراسة المطولة على تحليل بيانات مجموعة من النساء الحوامل اللواتي كن جزءاً من مشروع بحثي ضخم يُدعى MotherToBaby California، حيث امتدت فترة التسجيل وجمع المعلومات من تاريخ 8 مايو 1989 وحتى 14 أبريل 2008، وقام الفريق العلمي بجمع وتدقيق بيانات اختبارات متنوعة لأزواج من الأمهات وأطفالهن الذين تعرضوا جميعاً لمثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية وهم لا يزالون أجنة في الأرحام، وكان الهدف الجوهري هو إجراء مقارنة دقيقة للقدرات المعرفية والعقلية لتحديد ما إذا كان تناول مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة يضيف أي أعباء أو مخاطر على الطفل بعد الولادة، ولتحقيق أقصى درجات الدقة في النتائج قام الفريق بتقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات رئيسية بناءً على نمط التغذية ومدى التعرض للدواء، وذلك لعزل المتغيرات وفهم تأثير حليب الأم المحتوي على الدواء بشكل مستقل.

فيما يلي المجموعات التي اعتمدت عليها الدراسة في التحليل:

  • المجموعة التي اعتمدت الرضاعة الطبيعية مع استمرار تعرض الطفل للدواء عبر حليب الأم.
  • المجموعة التي اعتمدت الرضاعة الطبيعية ولكن توقف تعرض الطفل للدواء بمجرد الولادة.
  • المجموعة التي لم تعتمد على الرضاعة الطبيعية مطلقاً واعتمدت التغذية الصناعية.

نتائج اختبارات الذكاء وعلاقتها بمسألة تناول مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة

عندما وصل الأطفال المشاركون في الدراسة إلى سن الرابعة والخامسة خضعوا لتقييمات شاملة باستخدام اختبارات الذكاء المعيارية لقياس قدراتهم الإدراكية بدقة، وقد أظهرت التحليلات الإحصائية للنتائج تقارباً مدهشاً بين المجموعات المختلفة، حيث بلغ متوسط درجات الأطفال الذين رضعوا طبيعياً وتوقف تعرضهم للدواء بعد الولادة 109 درجات، في حين سجل الأطفال الذين استمرت أمهاتهم في تناول مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة متوسط درجات بلغ 106، وهو فارق طفيف جداً لا يُعتد به إحصائياً ولا يشير إلى أي تدهور في القدرات العقلية، كما أوضحت اختبارات الذكاء اللفظي والأداء العملي أن التعرض المستمر لمثبطات السيروتونين عبر حليب الثدي لم يؤدِ إلى أي انخفاض ملحوظ في معدلات الذكاء، حيث كانت النتائج قابلة للمقارنة تماماً مع أقرانهم الذين لم يتعرضوا للدواء بعد الولادة، مما ينفي الفرضية القائلة بأن الدواء يؤثر سلباً على تطور دماغ الطفل.

يوضح الجدول التالي مقارنة لمتوسط درجات الذكاء بين الفئات المختلفة:

حالة الرضاعة والتعرض للدواء متوسط درجات الذكاء (IQ)
رضاعة طبيعية بدون دواء بعد الولادة 109 درجات
رضاعة طبيعية مع استمرار الدواء 106 درجات

تمثل هذه النتائج العلمية الموثقة خطوة هامة نحو طمأنة الأمهات وتشجيعهن على الاستمرار في تناول مضادات الاكتئاب أثناء الرضاعة عند الضرورة الطبية، إذ يؤكد الباحثون أن استقرار الحالة النفسية للأم ينعكس إيجابياً على رعاية الطفل، كما أن المخاوف السابقة بشأن الآثار السلبية على ذكاء الطفل أو نموه العقلي لا تدعمها الأدلة الحديثة، مما يجعل خيار مواصلة العلاج آمناً ومقبولاً.

Exit mobile version