
تشهد إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي تحولًا تاريخيًا غير مسبوق بقيادة مارك زوكربيرج؛ إذ بدأت الشركة في تطوير نموذج مغلق جديد يحمل الاسم الرمزي “Avocado” من المتوقع الكشف عنه ربيع العام المقبل، وهو ما يمثل ابتعادًا صريحًا عن نهج المصادر المفتوحة الذي ميز حقبة الشركة السابقة ويقربها أكثر من النماذج التجارية المغلقة التي تعتمدها شركات منافسة مثل جوجل و OpenAI، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة تعتمد على بيع التقنيات تجاريًا بدلًا من إتاحتها للمطورين مجانًا.
دوافع تغيير إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي ونموذج Avocado
جاء هذا التغيير الجذري في إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي عقب خيبة الأمل التي سببها أداء نموذج “Llama 4” المفتوح المصدر في وقت سابق من هذا العام؛ حيث وصف الأداء بالباهت مما دفع زوكربيرج إلى اتخاذ قرارات حاسمة شملت إبعاد عدد من أعضاء الفريق المسؤول عن النموذج، وتولى المؤسس بنفسه قيادة حملة توظيف شرسة لاستقطاب ألمع العقول في هذا المجال عبر تقديم عروض مالية ضخمة وصلت لمئات الملايين، وكان من أبرز هذه التحركات انضمام ألكسندر وانغ إلى الشركة ضمن صفقة استحواذ ضخمة على شركته الناشئة “Scale AI” بقيمة قدرت بنحو 14.3 مليار دولار؛ ليتولى وانغ دورًا محوريًا في المشروع الجديد رغم صغر سنه.
يعمل الفريق الجديد حاليًا تحت إشراف زوكربيرج المباشر ضمن وحدة داخلية تعرف باسم “TBD Lab”؛ حيث يقضي الرئيس التنفيذي وقتًا طويلًا في متابعة تفاصيل التطوير اليومية، وتعتمد الشركة في تدريب نموذجها الجديد “Avocado” على تقنيات “التقطير” لنماذج منافسة قوية مثل “Gemma” من جوجل و”Qwen” من علي بابا، وهو ما يمثل مفارقة لافتة في إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي نظرًا لاستخدام تكنولوجيا صينية بعد الانتقادات السابقة التي وجهها زوكربيرج لإجراءات الرقابة هناك، ويوضح الجدول التالي أبرز النماذج التي يتم الاستعانة بها في عملية التطوير الحالية:
| النموذج المنافس | الشركة المطورة |
|---|---|
| Gemma | |
| gpt-oss | OpenAI |
| Qwen | Alibaba |
التكلفة المالية والرهانات في إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي
لم يتردد زوكربيرج في دعم إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي بميزانيات فلكية، فقد التزم بإنفاق ما يقارب 600 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة على تطوير البنية التحتية التقنية داخل الولايات المتحدة؛ حيث تم توجيه الجزء الأكبر من هذا الإنفاق لخدمة مشروعات الذكاء الاصطناعي على حساب تقليص استثمارات قسم الميتافيرس، وتركز الخطط الجديدة على تطوير نظارات ذكية وأجهزة استهلاكية متطورة مدعومة بقدرات الذكاء الاصطناعي، وقد أدى هذا التحول المالي وتخفيض النفقات في القطاعات الأخرى إلى ارتفاع أسهم الشركة حديثًا؛ إذ أبدت الأسواق ارتياحًا لسياسة الإنفاق الأكثر انضباطًا وتركيزًا على تقنيات ذات عوائد محتملة.
أثار هذا الحجم الهائل من الإنفاق قلق بعض المستثمرين نظرًا لاستمرار التوسع حتى عام 2026 دون وجود ضمانات واضحة لعوائد سريعة، إلا أن إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي تضع تطوير هذه التقنيات كأولوية قصوى لا تقبل التراجع، وتسعى الشركة لتعويض الوقت الضائع والمنافسة الشرسة من خلال ضخ الأموال والموارد البشرية في مشروع “Avocado”، ويأتي هذا في الوقت الذي تلقت فيه أدوات أخرى مثل منصة “Vibes” للفيديو تقييمات فاترة مقارنة بمنتجات المنافسين؛ مما زاد من الضغط على الإدارة لتحقيق نجاح ملموس في النموذج الجديد.
العقبات الداخلية والتنظيمية أمام إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي
تواجه الشركة تحديات داخلية معقدة قد تعرقل مسار إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي الطموحة؛ فقد شهدت الأشهر الماضية موجة من الاستقالات والاضطرابات، حيث غادر عدد من الباحثين الجدد بعد أسابيع قليلة من انضمامهم، كما تم إلغاء نحو 600 وظيفة في وحدات الذكاء الاصطناعي بما في ذلك تقليصات في فريق “FAIR” البحثي العريق، وكان من أبرز المغادرين يان لوكون، أحد أهم علماء المجال عالميًا، بسبب خلافات حول تراجع الدعم للنهج المفتوح، وتتمثل أبرز التحديات التي يجب على الفريق الجديد تجاوزها في النقاط التالية:
- تحقيق التوازن بين التدخل الإداري الدقيق لمارك زوكربيرج والحاجة لمرونة البحث العلمي.
- التعامل مع المخاوف التنظيمية المتصاعدة في أوروبا والولايات المتحدة بشأن مصطلح “الذكاء الفائق”.
- إثبات جدوى التحول للمصادر المغلقة أمام مجتمع المطورين والمستثمرين على حد سواء.
تسعى الشركة للوصول إلى ما تسميه “الذكاء الفائق” الذي يضاهي القدرات البشرية، وهو مصطلح يثير قلق المشرعين وصناع القرار الذين يخشون من الوصول إلى “قوة غير مضبوطة”، وقد أظهرت الأبحاث السوقية أن هذا التوجه يواجه تدقيقًا صارمًا، خاصة مع دعوات بعض الشخصيات العامة لوقف التطوير لحين ضمان معايير السلامة، ورغم هذه العقبات فإن نجاح مشروع “Avocado” سيعتمد بشكل كبير على قدرة ألكسندر وانغ ومهاراته التنظيمية في ترجمة رؤية زوكربيرج إلى واقع ملموس، لتثبت إستراتيجية ميتا للذكاء الاصطناعي أن الرهان الأكبر في تاريخ الشركة يستحق كل هذه التكلفة والمخاطرة.
