
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال بات يشكل هاجساً حقيقياً لدى الخبراء والآباء في آن واحد، حيث كشفت دراسة أمريكية حديثة عن نتائج جوهرية تتعلق بالصحة النفسية للأجيال الصاعدة، إذ أظهرت الأبحاث أن الانغماس المتزايد في المنصات الرقمية قد يلحق ضرراً مباشراً بالمستويات الذهنية للصغار، كما أنه يلعب دوراً محتملاً في تفاقم حالات اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط الذي يؤثر على نموهم العصبي والسلوكي بشكل عام.
دراسة تحليلية حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال
سعى فريق من الباحثين المتخصصين إلى فهم عمق تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال من خلال مراقبة تطور حالة أكثر من 8300 طفل داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تراوحت أعمار العينة المشاركة بين 10 إلى 14 عاماً لضمان دقة النتائج في هذه المرحلة العمرية الحرجة، وقد تعاون في هذا البحث العلمي الدقيق باحثون من معهد كارولينسكا العريق في السويد وجامعة أوريجون للصحة والعلوم الأمريكية، وخلصوا إلى بيانات رقمية توضح نمط الحياة اليومي للأطفال وتوزيع ساعاتهم أمام الشاشات المختلفة، وهو ما مهد الطريق لربط هذه العادات بزيادة أعراض عدم الانتباه لدى المستخدمين الصغار لهذه التطبيقات.
أوضحت البيانات المجمعة أن الأطفال يقضون أوقاتاً متفاوتة أمام الوسائط المتعددة، مما استدعى تحليل كل نشاط على حدة لفصل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال عن غيره من الأنشطة الترفيهية الرقمية، ويبين الجدول التالي متوسط الساعات اليومية التي يقضيها الأطفال في الأنشطة المختلفة وفقاً لما رصدته الدراسة:
| نوع النشاط الرقمي | متوسط الساعات اليومية |
|---|---|
| مشاهدة التلفزيون أو مقاطع الفيديو | 2.3 ساعة |
| استخدام وسائل التواصل الاجتماعي | 1.4 ساعة |
| لعب ألعاب الفيديو | 1.5 ساعة |
الفرق بين الألعاب وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال
أحد أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة هو التمييز الواضح بين أنواع المحتوى الرقمي، فلم يتم العثور على أي صلة مباشرة بين أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وبين ممارسة ألعاب الفيديو أو مجرد مشاهدة التلفزيون ومقاطع اليوتيوب، وعلى النقيض تماماً وجد الباحثون أن استخدام منصات التواصل لفترات زمنية ممتدة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة أعراض تشتت الذهن، وهذا يؤكد أن طبيعة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال تختلف جذرياً عن باقي الوسائط، حيث يُعزى ذلك إلى التصميم الخاص بهذه المنصات الذي يعتمد على التنبيهات المستمرة والتفاعل اللحظي السريع.
فسر البروفيسور توركل كلينجبيرج أستاذ علم الأعصاب الإدراكي في معهد كارولينسكا هذه الظاهرة بأنها نابعة من طبيعة المشتتات المستمرة في تلك التطبيقات، حيث تنطوي على سيل لا ينقطع من الرسائل والإشعارات التي تقطع حبل الأفكار، وحتى مجرد التفكير أو الترقب لوصول رسالة جديدة قد يعمل بمثابة تشتيت ذهني داخلي يضعف القدرة على التركيز المستمر، وتظهر أعراض اضطراب النمو العصبي المرتبط بهذه الحالة في عدة سلوكيات يجب على الآباء الانتباه إليها، وتشمل ما يلي:
- الاندفاعية الزائدة في التصرفات وردود الأفعال غير المحسوبة
- نسيان المهام اليومية الروتينية وصعوبة تذكر التعليمات
- صعوبة الحفاظ على التركيز لفترات طويلة في مهمة واحدة
تصاعد التشخيصات وعلاقتها بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال
أثبتت النتائج البحثية أن الارتباط بين الاضطرابات السلوكية والمنصات الرقمية لا يتأثر بالعوامل الاقتصادية أو الخلفية الاجتماعية أو حتى الاستعداد الوراثي، مما يشير إلى أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال هو عامل خارجي مؤثر بحد ذاته، وقد يفسر هذا التأثير جزئياً الزيادة الملحوظة في تشخيصات اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه عالمياً، حيث ارتفعت معدلات الانتشار بين الأطفال وفقاً للمسح الوطني الأمريكي لصحة الأطفال من 9.5% في الفترة ما بين عامي 2003 و2007 لتصل إلى 11.3% في الفترة الواقعة بين عامي 2020 و2022، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول ضرورة إعادة النظر في العادات الرقمية.
رصدت الدراسة نمطاً تصاعدياً مثيراً للاهتمام في سلوكيات الأطفال، حيث يبدأ استخدام التطبيقات بمدة قصيرة لا تتجاوز 30 دقيقة يومياً في سن التاسعة، ثم يقفز الرقم ليصل إلى ساعتين ونصف يومياً بحلول سن الثالثة عشرة، وهو السن القانوني الأدنى لإنشاء حسابات على منصات مثل تيك توك وإنستجرام، ورغم أن الباحثين أكدوا أن النتائج لا تعني حتمية إصابة جميع المستخدمين بمشاكل في الانتباه، إلا أنهم حذروا من أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تركيز الأطفال قد يكون له عواقب وخيمة على مستوى السكان إذا استمر تغير السلوك بهذا النحو، ولذلك يأمل سامسون نيفينز أحد مؤلفي الدراسة أن تساعد هذه الحقائق الآباء وصناع القرار في توجيه الاستهلاك الرقمي نحو مسار صحي يدعم التطور المعرفي السليم للأبناء.
