
الفيروس الأنفي يعد السبب الأكثر شيوعاً وانتشاراً لنزلات البرد والزكام بين المصريين طبقاً لما أعلنته التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة والسكان التي تتابع عن كثب مسببات الأمراض التنفسية الموسمية؛ حيث يصنف هذا العامل الممرض على أنه فيروس صغير جداً يستهدف بشكل أساسي الأغشية المخاطية المبطنة للأنف والحلق محدثاً عدوى سريعة الانتشار تنتقل بسهولة فائقة بين الأفراد عبر الرذاذ المتطاير أو الملامسة المباشرة للأسطح الملوثة، وتكمن المعضلة الطبية الكبرى في التعامل مع الفيروس الأنفي في تنوعه الجيني الهائل ووجود أنواع متعددة له مما يجعل مسألة إنتاج لقاح فعال وشامل أمراً يواجه صعوبات علمية وتقنية كبيرة حتى في ظل التطور الطبي الحالي.
الخصائص البيولوجية وتصنيف الفيروس الأنفي
ينتمي الفيروس الأنفي Rhinovirus علمياً إلى عائلة الفيروسات البيكورناوية المعروفة باسم Picornaviridae ويندرج تحديداً تحت جنس الفيروسات المعوية Enterovirus التي تمتلك قدرة عالية على البقاء في بيئات مختلفة؛ ويتميز هذا الكائن الدقيق بحجمه المتناهي في الصغر الذي يقدر بحوالي 30 نانومتر فقط وهو حجم مجهري يسمح له باختراق الحواجز الدفاعية الأولية للجسم بسهولة، وتشير الدراسات الفيروسية المتخصصة إلى أن هذا الفيروس لا يظهر بصورة واحدة بل يتشعب إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي (A, B, C) تتفرع بدورها لتشمل عدداً ضخماً من الأنماط المصلية يتراوح ما بين 160 إلى 165 نمطاً مختلفاً؛ وهذا التنوع الكبير في الأنماط المصلية هو السبب الجوهري الذي يحول دون قدرة الجهاز المناعي للإنسان على تكوين حصانة دائمة ضده، فبمجرد أن يطور الجسم مناعة ضد نمط معين قد يهاجمه نمط آخر مختلف تماماً من أنماط الفيروس الأنفي مسبباً تكرار الإصابة بنزلات البرد عدة مرات على مدار العام الواحد.
أعراض الإصابة وطرق انتقال العدوى في المجتمع
تنتقل عدوى الفيروس الأنفي بين البشر بسرعة مذهلة من خلال وسائل متعددة أبرزها استنشاق الرذاذ التنفسي المحمل بالفيروس والناتج عن سعال أو عطس شخص مصاب في مكان قريب أو مغلق؛ كما تلعب الأسطح والأشياء الملوثة دوراً محورياً في نشر المرض فعند لمس مقابض الأبواب أو الأدوات الشخصية الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين ينتقل الفيروس فوراً ليبدأ دورة حياته داخل الجسم، وتظهر الأعراض السريرية بوضوح لتشمل مجموعة من العلامات المزعجة التي تؤثر على النشاط اليومي، ويمكن تلخيص أبرز هذه الأعراض التي رصدتها الجهات الطبية في النقاط التالية:
- سيلان الأنف الغزير واحتقان الجيوب الأنفية الذي يعيق التنفس الطبيعي
- الشعور بألم والتهاب حاد في الحلق يزداد عند البلع
- نوبات متكررة من السعال والعطس المستمر كرد فعل دفاعي من الجسم
- الإحساس بالصداع الكلي وآلام متفرقة في عضلات الجسم تسبب الخمول
- احتمالية ظهور حمى خفيفة وقد يتطور الأمر لالتهاب الأذن خاصة عند الأطفال
المضاعفات المحتملة واستراتيجيات الوقاية والعلاج
على الرغم من أن نزلات البرد الناتجة عن الفيروس الأنفي غالباً ما تكون عابرة وتشفى تلقائياً إلا أن الأمر قد يتخذ منحنى أكثر خطورة ويؤدي إلى مضاعفات صحية جسيمة لدى فئات محددة من المرضى؛ حيث تؤكد المصادر الطبية أن العدوى قد تتطور لتصيب الجهاز التنفسي السفلي مسببة التهاباً رئوياً حاداً أو التهاباً في القصيبات الهوائية مما يستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً، وتعد الفئات الأكثر عرضة لهذه المضاعفات هم الرضع وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة مثل مرضى الربو وحساسية الصدر الذين يعانون من ضعف في وظائف الرئة، ويوضح الجدول التالي أبرز الفئات المعرضة للخطر والمضاعفات المرتبطة بها:
| الفئة الأكثر عرضة للخطر | المضاعفات الصحية المحتملة |
|---|---|
| الرضع والأطفال الصغار | التهاب القصيبات الهوائية والتهاب الأذن الوسطى |
| كبار السن ومرضى الربو | الالتهاب الرئوي وتفاقم أزمات التنفس الحادة |
تؤكد بيانات منظمة الصحة العالمية بوضوح أنه لا يوجد حتى اللحظة لقاح وقائي معتمد ضد الفيروس الأنفي نظراً لطبيعته المتغيرة وكثرة سلالاته؛ ويعتمد النهج العلاجي بشكل كامل على استخدام مضادات الفيروسات لتخفيف حدة الأعراض والسيطرة عليها ومنح الجسم فرصة للتعافي مع الراحة التامة، وتبقى الوقاية هي خط الدفاع الأول والأكثر فاعلية للحماية من هذا الفيروس واسع الانتشار؛ حيث يتوجب الالتزام بمعايير النظافة الشخصية الصارمة التي تشمل غسل اليدين جيداً بالماء والصابون لمدة لا تقل عن عشرين ثانية بصفة دورية خاصة بعد التواجد في أماكن عامة، مع ضرورة تجنب لمس الوجه بأيدي غير معقمة والحرص على تنظيف وتطهير الأسطح الصلبة المشتركة في المنازل والمكاتب لقتل أي آثار قد يتركها الفيروس الأنفي وضمان بيئة صحية آمنة للجميع.
